تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[القضية الأندلسية]

ـ[هشام زليم]ــــــــ[08 - 08 - 08, 12:41 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين محمد و على أله و صحبه أجمعين و من اهتدى بهديه إلى يوم القيامة و الدين.

أما بعد:

تبدأ فصول المأساة الأندلسية بُعيد دخول الملكين الكاثوليكيين فرديناند و إيزابيلا إلى غرناطة في بداية سنة 1492م و ذلك تطبيقا لبنود معاهدة تسليم المدينة المسلمة التي وقعاها مع أخر الملوك المسلمين بالجزيرة الأندلسية أبو عبد الله الزغبي.

تعهد الملكان الكاثوليكيان المتعصبان من خلال المعاهدة بحسن معاملة المسلمين و حمايتهم و الإقتصاص ممن يسيء إليهم و عدم انتهاك حرمات المساجد و أعراض المسلمين بل و التزموا بأن الشريعة الإسلامية هي التي سيُحكم بها فيهم من خلال فقهائهم؛ باختصار سيُمنح المسلمون نوعا من الحكم الذاتي كأقلية مسلمة ضمن الأغلبية الكاثوليكية.

رغم هذه الوعود المعسولة فقد اختارت فئة غير قليلة من الأمة الغرناطية المسلمة الهجرة عن غرناطة إلى بلاد الإسلام بشمال إفريقيا فرارا بدينها، فالأندلس أولا و أخيرا لم تعد دار إسلام.

لنترك من هاجر و نبقى مع من اختار البقاء في الأندلس. فقد اعتقد هؤلاء أن المسألة لا تعدو أن تكون سحابة صيف و سرعان ما ستتلاشى فيستجمع المسلمون قوتهم و يعيدون الكرّة على النصارى و يُرجعوا غرناطة و أحوازها و لما لا قرطبة و إشبيلية و طليطلة و كل بلاد الأندلس؛ ثم إن المغاربة و العثمانيين لن يسمحوا بأن يغتصب النصارى أرض إسلام و لابدّ أن يُرسلوا طارقا أخر يساعد على إرجاع الإسلام لهذه الأرض. هكذا اعتقدوا في البداية، لكن قدّر الله و ما شاء فعل.

يذكر عالم الإجتماع الإسباني خوليو كارو باروخا ما رواه الرحالة الإسباني خيرونيمو منذر الذي زار غرناطة ما بين 1494 و 1495 (أي 3 أعوام على سقوطها بيد النصارى) فشد انتباهه الأذان الذي مازال مسموحا به أنذاك:" كان صوت المؤذن الشجي يرتفع في الأوقات المعتادة. كانت أصوات المؤذنين تخرج من أعالي المأذن، حادة أحيانا، قصيرة أحيانا أخرى. إن الأوربي الذي يسمع صوت المؤذن لأول مرة يشعر بقشعريرة: في هذه الأصوات شيئ من التحذير." (1)

هذه الروح المتسامحة نسبيا مع المسلمين لم تستمر طويلا حيث بدأت بوادر الغدرتظهر:"كان أول الغدر تحويل مسجد الطيبين إلى كنيسة و كذلك مسجد الحمراء، ثم تحويل مسجد غرناطة الأكبر إلى كتدرائية. ثم نظمت الكنيسة في السنين الأولى فرقا تبشيرية من رهبان و راهبات للقيام بنشر النصرانية ... ولما مرّت السنون و لم تأت هذه الفرق بنتيجة تذكر أخذت الكنيسة و الدولة تفكر في تغيير سياستها من اللين إلى العنف، ملغية كل بنود معاهدة التسليم الواحدة تلو الأخرى" (2).

هذا التغيير نحو العنف تمثل في استدعاء الملك فرديناند سنة 1499م لأحد طغاة التاريخ الكاردينال فرانسيسكو خمنيس دي سيسنيروس، مطران طليطلة،"ليعمل على تنصير المسلمين بصرامة أكبر. فوفد على غرناطة في شهر يوليوز من السنة نفسها…فأمر بجمع فقهاء مدينة غرناطة و المدن الأخرى و دعاهم إلى ترك الإسلام و اعتناق النصرانية ليكونوا أسوة لغيرهم، و أغدق المنح على من قبل ذلك و هدد بالوعيد و العقوبة لمن رفض. فضعف بعضهم و قبل التنصير و تبعهم بعض العامة. و تمركز التنصير في حي البيازين من أحياء غرناطة الشعبية، وحوّل جامعها الأكبر إلى كنيسة سان سلباطور" (3)

هذا التحول دفع الأندلسيين للقيام بثورة أشعل فتيلها انتهاك شرطة سيسنيروس لحرمة إحدى المسلمات حيث تجمع الأندلسيون و قتلوا الشرطي و حرروا المرأة و هرب القسس. (4)

لكن نظرا لقلة العدة و العتاد و تعهد الكنيسة بعدم استعمال العنف أُخمدت الثورة و قد نُقضت كل التعهدات مرّة أخرى بعد ذلك حيث استمر التنصير القسري لكل المسلمين.

و انطلاقا من هذا التاريخ بدأت القرارات تتوالى بوجوب تنصير المسلمين و حظر استعمال اللغة العربية و حيازة الكتب المكتوبة بها و منع ارتداء الزي الإسلامي أو التسمي بأسماء عربية أو الإحتفال بالأعياد الخاصة بالمسلمين، باختصار منع أي مظهر من مظاهر الدين الإسلامي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير