تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المتنبي لم يكن شيعياً إمامياً!!

ـ[خزانة الأدب]ــــــــ[30 - 08 - 08, 01:45 م]ـ

هذا السؤال لم يُطرح إلا في عصرنا، وأصله أن الأستاذ محمود شاكر رحمه الله ادَّعى في شبابه، قبل أن يستحكم علمه، أن المتنبي علوي صحيح النسب، وأن العلويين أنكروا نسبه، فثار ليطلب حقه السليب. ولم يقدِّم دليلاً على ذلك إلا شبهات هي أوهى من خيوط العنكبوت. ثم أقرَّ بأخرَة بأن هذه الدعوى لا أساس لها من التاريخ، وأنه وصل إليها من خلال ما أسماه "منهج التذوُّق"، أي الشعور الحدسي الذي وجده وهو يقرأ شعر المتنبي ويرى تعاظمه لنفسه، فيبغي إذن أن يكون من سلالة أعظم العلويين!

فاهتبل رافضة عصرنا هذا الرأي، وزعموا أن المتنبي علوي إمامي، على طريقتهم المعروفة في الغشّ والتدليس العلمي وتجاهل النصوص التي تتعارض مع الغرض الطائفي! بل زعم أجدهم ـ واسمه محمود الملاح ـ أنه ابن الإمام الثاني عشر الغائب! في كتاب يضحك الثكالى!!

وأما التحقيق العلمي فالظاهر من جملة النصوص أن شيعة الكوفة في القرن الرابع كانوا زيدية مالكية. وذلك أن أعظم رجالاتها آنذاك هؤلاء الأربعة:

1 - أبو الحَسن محمَّد بن يحيى العلوي الزَّيدي، جار أبي الطيِّب المتنبِّي. وهو الذي قال للتنوخي المؤرِّخ (كان المتنبِّي وهو صبيٌّ ينزل في جواري بالكوفة، وكان يُعرف أبوه بعِيدان السَّقَّا، يسقي لنا ولأهل المحلة، ونشأ وهو محبّ للعلم والأدب فطلبه، وصحب الأعراب في البادية فجاءنا بعد سنين بدويًّا قُحًّا ... قال أبو الحَسن: كان عيدان والد المتنبِّي يذكر أنَّه من جُعْفي، وكانت جدة المتنبِّي هَمْدانية صحيحة النسب لا أشكُّ فيها، وكانت جارتنا، وكانت من صُلَحاء النساء الكوفيات).

وقد كاد هذا الرجل أن يليَ الخلافة! فقد أراد معزّ الدولة ـ وهو زيديّ الهوى - خلع الخليفة العباسي ومبايعته بالخلافة لمّا دخل بغداد سنة 334، فصرفه عن ذلك وزيره الصَّيْمَري بقوله (إذا بايعتَه استنفرَ عليك أهَل خراسان وعوامَّ البلدان وأطاعه الديلمُ ورفضوك وقَبِلوا أمرَه فيك. وبنو العباس قومٌ منصورون، تعتلُّ دولتهم مرَّةً وتصحُّ مراراً، وتمرض تارةً وتستقلُّ أطواراً، لأنَّ أصلها ثابتٌ وبنيانها راسخ)، فأطاعه معزُّ الدولة وأبقى على الدولة العباسية (انظر تكملة تاريخ الطبري للهمذاني 354).

وذكر البِيروني أن معزّ الدولة استدعى أحد العلويين من فارس لتسليم الخلافة إليه (المقفَّى 1/ 368، وملاحق كتاب المتنبِّي لشاكر 683). ولا شكّ بأن المقصود أبو الحسن، بدليل أن الهمذاني ذكر إقامته بعَسْكَر مكرم من بلاد الأهواز (تكملة تاريخ الطبري 408).

2 - أبو الحَسن محمَّد بن عمر بن يحيى العلوي الزَّيدي، والظاهر أنه ابن أخي الرجل الأول، وكان عظيم القدر في الدولة البويهية. ولا شكّ بأن حاله من جهة المذهب كحال عمِّه وعشيرته.

3 - أبو الحسن بن أم شيبان الهاشمي العباسي، قاضي القضاة في الدولة العباسية كلها، وهو الذي قال للتنوخي المؤرِّخ (كنت أعرف أباه بالكوفة شيخاً يسمَّى عِيدان، يستقي على بعير له، وكان جُعْفيًّا صحيح النسب). وهو معدود في أعلام المالكية، ومترجم في كتب المذهب.

4 - المحدِّث الحافظ أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، وهو زيدي.

وظاهر أن الرجلين العلويين المذكورين هما من أحفاد يحيى بن عُمَر الزَّيدي، حفيد زيد بن علي وزعيم الزَّيدية في القرن الثالث، الذي طلب الخلافة وثار بالكوفة في أيام المستعين وقُتل بها سنة 250، فرثاه ابن الرومي بقصيدته المشهور (أمامَكَ فانظرْ أيَّ نَهْجيكَ تَنْهَجُ)، وقد نصَّ ابن حزم على مذهبه بقوله (كان فاضلاً مالكيَّ المذهب حسَنَ القول في جميع الصحابة رضي الله عنهم). واسم عمر يدل بوضوح على أن القوم كانوا من أهل السنة والجماعة، وربما مع تشيُّع خفيف مقبول. ولا تعارُض بين الزيدية والمالكية؛ فالزيدية كانت آنذاك نسباً وعقيدة سياسيية ضمن أهل السنة والجماعة من حيث الجملة، والمالكية مذهب فقهي. ثم صار للزيدية دولة في طبرستان واليمن، واتَّجهت إلى الاعتزال، وصار لها مذهب فقهي مستقل، وكل ذلك بعد عصر المتنبي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير