يقول جوزيف ماكيب عن جامع قرطبة: لم يبق من آثار قرطبة في القرون الوسطى إلا أثر واحد و هو جامعها الذي لا يزال إلى اليوم جميع أطفال قرطبة يسكونه مسجدا و لولاه ما تجشم أحد عناء السفر لمشاهدة قرطبة – و لو كانت على خمسة أميال منه – و لكن الناس من جميع أنحاء الدنيا يسافرون إليها ليشاهدوه. و هو أعظم معبد في الدنيا بعد كنيسة (سنت بترس) و هو آية لا نظير لها من الهندسة و البناء و ظاهر هذا المسجد لا يستولي على اللب. و لم يكن المغربيون الذين كانوا يفضلون الإقامة داخل البيوت أكثر من خارجها يهتمون نسبيا كثيرا بالظاهر. و أما في الداخل فهناك العجائب إذا دخلت الجامع من أي باب من أبوابه التسعة عشر يخيل إليك أنك تائه في غابة من أشجار المرمر. ففيه ثمانمائة و ستون سارية رقيقة من المرمر و الرخام و اليشب و فيه غير ذلك ألف و اثنتا عشرة سارية. و فيه تسعة عشر رواقا ينتهي كل منها بباب من الأبواب التسعة عشر. و له سقف خشبي منخفض نسبيا قد زخرف أحسن زخرف بالأرجوان و الذهب. و في الأعياد الكبيرة توقد مائتان و ثمانون ثريا من الفضة و النحاس يحترق فيها الزيت العطر و تتلألأ فيها آلاف كثيرة من المصابيح فتلقي أنوارها على ذلك المشهد: و أكبر ثريا منها كان محيطها ثمانية و ثلاثون قدما يحمل ألفا و أربعمائة و أربعا و خمسين مصباحا. و لها مرآة تعكس النور فيزيد شعاعه تسعة أضعاف. و فيها 6000 آلاف طبق من الفضة مسمرة بالذهب و مرصعة باللؤلؤ و كان الجامع قد شيد مع مضافاته في القرن الثامن و التاسع و العاشر (الميلادي). المحراب الذي هو أقدس محل في مسجد المغربيين كان فيه حنيتان و كان أعظم زخرفا من سائر المسجد. و آخر المحراب يشبه صدفة من رخام و له مدخل يتلألأ كالذهب الخالص و الديباج بفسيفسائه الجميلة. و أحيل القارئ على كتب زخرفة البناء أو كتب الاستدلال ليرى عجائب هذا الجامع العظيم ... و هو أثر لمدنية زاهية لا يضاهيها اليوم شيء في الدنيا كلها. و كان عبد الرحمان الأول مؤسس هذه الدولة جعل مدينة قرطبة على مثال مدينة دمشق التي قضى فيها أوائل عمره. و هو الذي ابتدأ بناء الجامع و أتمه الخلفاء الذين جاؤوا بعده, و بلغت نفقاته على ما حدثنا به مؤرخو العرب 300.000.000 دولار. و إنما كان هذا آخر عمل عمله في حياته. (7)
http://www.pueblos-espana.org/fotos_originales/7/6/4/00000764.jpg
صورة لسورمن أسوار الجامع
7 - جامع قرطبة اليوم
بعد إقرار الأسبان لقانون حرية الأديان خلال السبعينيات من القرن العشرين, أخذ الإسلام يظهر علنا بين مواطني قرطبة و إسبانيا عموما و بدأ التفكير في حالة الأسر التي يعيشها الجامع الأعظم, فتكررت الطلبات من المسلمين للسلطات الإسبانية بالسماح لهم بالصلاة فيه, لكنها جوبهت بالرفض من طرف السلطات الكنسية. وقد قامت بعض الشخصيات الإسلامية بالصلاة بالجامع كأمير البيان شكيب أرسلان و الكاتب الباكستاني محمد إقبال رحمهما الله.
و أنقل لكم ما جاء في آخر ما كتبه الشيخ إبراهيم الكتاني رحمه الله و هو المغربي الأندلسي الأصل عن جهود المسلمين لفك أسر جامع قرطبة – و كمعلومة هذا هو آخر مقال كتبه صبيحة يوم وفاته الأحد 29 ربيع الثاني عام 1411هجرية, سويعات قبل وفاته –.
و في السبعينات من القرن الميلادي الجاري عقد رهبان مسجد قرطبة الكاتدرائية, برئاسة مطران قرطبة, لقاءا دعوا له مسلمين من المغرب و المشرق, و قالوا إنه حوار بين الإسلام و المسيحية, و إنهم نظموه من تلقاء أنفسهم لم يستشيروا فيه مع الفاتيكان ... و أذنوا للمسلمين بصلاة الجمعة في مسجد قرطبة لأول مرّة من استيلاء النصارى عليه. ذلك ما وعته ذاكرتي في مقال نشرته مجلة العربي الكويتية, و لست أدري بماذا أجاب المسلمون الحاضرون
و بعد أن أخذ الإسلام يظهر علنا بين مواطني قرطبة, و تكوّنت أول جماعة إسلامية لهم بها, تنكّر مطران قرطبة لكل كلماته المعسولة, و أخذ يتهجم على الإسلام و أهله كما ذكر الكتاب, و يرجع بالمسلمين الأندلسيين إلى أسوأ الذكريات من أعمال سلف المطران سيئ الذكر. ووصل الحقد بالمطران و الكنيسة إلى منع المسلمين, بما فيهم أهل قرطبة, من الصلاة في مسجد قرطبة الأعظم منعا باتا. و انقطعت بعد ظهور الإسلام في قرطبة علانية مؤتمرات الكنيسة مدعية الحوار مع المسلمين
¥