وتلك عادة المعاندين لكلام ربّ العالمين: ((وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلّكم تغلبون)). اهـ ((رسالة الشرك ومظاهره للإمام مبارك الميلي الجزائري رحمه الله تعالى، ص 37 - 38 شركة الشهاب/ الجزائر)
(1) أي الحكومة الفرنسية.
(2) إحدى ولايات الجنوب الشرقي الجزائري.
(3) من كتب الفقه المالكي.
نسبة العامّة علم الغيب لبعض النّاس:
والعوام ينسبون علم الغيب المطلق إلى من اتخذوهم أولياء، سواء سمّاهم الشرع أولياء، أو كهّانا، أو سحرة، أو مردة، أو مجانين، فيخشون في غيبتهم أن يطّلعوا على ما لا يرضونه منهم.
ويشدّون إليهم الرحال، استعلاما عن سرقة، أو استفتاء عن عاقبة حركة.
وبوادى القطن قرب ميلة شرقيها، كاهن اسمه ((سيدي مبارك)) يأتيه المستطلعون للغيب، من مئات الأميال، كسوق هراص وأراضي الحراكتة. ومات فقام ابنه مقامه، ولم يزل حيّا بل حيّةً على الجهّال.
ومثله كثيرون وإن اختلفت شهرتهم ضيقا واتّساعا.
وحدّثني ميليان (1) لم يزالا حيين، قال أحدهما: كنت عند باش تارزي شيخ الطريقة الرحمانية (2) بقسنطينة اعلم (3) القرآن، وكنت فتى تدعوني نفسي إلى غشيان النّساء، فلم يكن يمنعني إلا خشية الشيخ أن يطّلع علي عن طريق الغيب!!
وقال الآخر: كنتُ ذا سوق في تاجنانت (4) من أرض أولاد عبد النّور، وبقربي اثنان يتنازعان، فحلف أحدهما للآخر بسيده عبد الرحمن بن حملاوي، شيخ من شيوخ الطريقة الرحمانية، قرب سقّان (5) فتغير وجه المحلوف له وأنكر على الحالف قائلا: أليس الشيخ عالما بما يجري الآن بيننا؟ قال محدّثي: ظننته لأوّل سماع إنكاره أنّه ينهاه عن الحلف بالمخلوق، فإذا هو يكبره عن الحلف به! ويشركه مع الله في غيبه.
والحكايات في مثل هذه الضلالات، ممّا لا تسعه المجلّدات.
فإنّ نسبة الغيب المطلق إلى الأولياء، ممّا شاع وذاع وملأ الحزن والقاع وهو شرك بإجماع، وإنّما حسّنه الجهل والقعود عن العلم، حتى فقد طلابه وتنوّعت عقباته وصعابه، ولم يبق من أهله إلا من يدعى فقه الفروع على قلّة، وجمود
الفقه الأكبر:
أمّا الفقه الأكبر بالتفقّه بالكتاب والسنّة وتصحيح العقائد، والأعمال عليهما، وأخذ المواعظ منهما، فقد انقطع منذ أزمان من وطننا حتى أحياه من ارتحلوا في طلبه، ممّن تكوّنت منهم جمعية العلماء فكانت بهم للوطن توبة. عملوا فيها بآية التوبة: ((فلولا نفر من كلّ فرقة منهم طائفة ليتفقّهوا في الدّين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون)) انتهى. (الشرك ومظاهره ص145 - 146)
(1) نسبة إلى مدينة ميلة بجوار مدينة قسنطينة في الشرق الجزائري.
(2) من أشهر الطرق الصوفية الخرافية في الشرق الجزائري.
(3) هكذا بالأصل ولعلّ الصواب: أتعلّم
(4) مدينة تاجنانت بجوار مدينة قسنطينة.
(5) قرية تسمّى سقّان.
التصرّف في الكون:
فقد حدّثني بقرية أبي سعادة من حضر مجلسا فيه كاهن سكّير، ممن يُعرَفون في العرف بالمرابطين، فطلب رجل من مرابطه ذلك ولدا ذكراً فأعطاه إيّاه، وعيّن له علامة تكون بجسمه عند الوضع، وقال له: إن وُضع بها فهو منّي، وإن خلا منها فهو من الله.
ولهذه الطامّة أشباه ونظائر يعرفها من اختلط بالعامّة، وسمع أخبارهم مع أوليائهم، وقد كنتُ سنة أربع وأربعين مع فقيه ميلي بمقهى في قسنطينة، فقصّ علينا رجلٌ مصيبة أيس من السلامة منها، ثمّ حصل له الفرج، فعبّر عن خطورتها قائلا: ((لوما النّاس الصالحين ... )) فقال له صاحبي مُرشداً أو منكّتاً: ((وربي))؟
فأجابه: ((ربي والنّاس الصالحين))
فقال له: ((وربي وحده))! فلم يُجاره وقال له: ((هكذا سمعنا النّاس يقولون)). ((ربنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، إنّك أنت الوهّاب)). اهـ (الشرك ومظاهره ص134 - 135)
حكايتان عن المجاوي والونيسي
حدّثني تلميذ للشيخ عبد القادر المجاوي أنّ هذا الشيخ رأى ذات يوم بيده رسالة محمّد عبده في التوحيد، فانتهره لنظره فيها، وأغلظ له القول في مؤلّفها.
فأمهله هذا التلميذ ثمّ راجعه مرّة أخرى فيما سمع منه، فأثنى له على الشيخ محمّد عبده، واعتذر له عمّا أسمعه فيه أوّلا، بمجاراة العامّة التي كانت لذلك العهد لا تذكر بالشيخ عبده إلا الإلحاد، والإفساد في الدين.
¥