فمال به خالد إلى فسطاطه، فشن عليه قربة من ماء، ثم صلى ركعتين وحملت الروم مع انقلابه إلى خالد، وهم يرون أنَّها منه حملة، فأزالوا المسلمين عن مواقفهم إلا المحامية عليهم عكرمة والحارث بن هشام، وركب خالد ومعه جرجة والروم خلال المسلمين، فتنادى الناس، فثابوا وتراجعت الروم إلى مواقفهم، فزحف بِهم خالد حتى تصافحوا بالسيوف، فضرب فيهم خالد وجرجة من لدن ارتفاع النهار إلى جنوح الشمس للغروب، ثم أصيب
جرجة ولم يصل صلاة سجد فيها إلا الركعتين اللتين أسلم عليهما، وصلى الناس الاولى والعصر إيماء، وتضعضع الروم، ونهد خالد بالقلب حتى كان بين خيلهم ورجلهم، وكان مقاتلهم واسع المطرد ضيق المهرب، فلما وجدت خيلهم مذهبا ذهبت، وتركوا رجلهم في مصافهم، وخرجت خيلهم تشتد بِهم في الصحراء، وأخر الناس الصلاة حتى صلوا بعد الفتح.
ولما رأى المسلمون خيلَ الروم توجهت للهرَب، أفرجوا لها، ولم يحرّجوها، فذهبت فتفرَّقت في البلاد، وأقبل خالد والمسلمون على الرَّجْل ففضّوهم، فكأنما هُدِم بِهم حائط؛ فاقتحموا في خندقهم، فاقتحمه عليهم، فعَمَدوا إلى الواقوصة، حتى هوى فيها المقترنون وغيرهم، فمن صبر من المقترنين للقتال هوى به من خَشَعَت نفسه، فيهوى الواحد بالعشرة لا يطيقونه، كلما هوى اثنان كانت البقية أضعف، فتهافت في الواقوصة عشرون ومائة ألف؛ ثمانون ألف مقترن وأربعون ألف مطلق، سوى من قتل في المعركة من الخيل والرَّجْل، فكان سهم الفارس يومئذ ألفاً وخمسمائة، وتجلل الفيقار وأشرافٌ من أشراف الروم برانسهم، ثم جلسوا وقالوا: لا نحب أن نرى يوم السوء إذ لم نستطع أن نرى يوم السرور؛ وإذ لم نستطع أن نمنع النصرانية؛ فأصيبوا في تزملهم]. انتهى كلام الطبري.
قلتُ: هذا إسناد ضعيفٌ جداً؛ مسلسل بالعلل:
الأولى: أبو عثمان يزيد بن أسيد الغساني؛ لم أجد له ترجمة.
الثانية: سيف؛ هو ابن عمر التميمي، وإليكم أقوال العلماء فيه:
قال يحيى بن معين: ضعيف الحديث.
وقال أيضاً: فلس خير منه.
وقال أبو حاتم: متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدى.
وقال أبو داود: ليس بشىء.
وقال النسائى: ضعيف.
وقال البرقانى، عن الدارقطنى: متروك. وفي رواية: "ضعيف".
وقال أبو أحمد بن عدى: بعض أحاديثه مشهورة و عامتها منكرة لم يتابع عليها، وهو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق.
وقال أبو حاتم بن حبان: يروى الموضوعات عن الأثبات.
وقال الحاكم: اتهم بالزندقة، و هو فى الرواية ساقط.
الثالثة: شعيب، هو ابن إبراهيم الكوفي؛ قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (2/ 465): [راوية كتب سيف عنه، فيه جهالة]، وقال ابن عدي في "الكامل" (4/ 4): [له أحاديث وأخبار، وهو ليس بذلك المعروف، ومقدار ما يروي من الحديث والأخبار ليست بالكثيرة، وفيه بعض النكرة، لأنَّ في أخباره واحاديثه ما فيه تحامل على السلف].
فخلاصة القول: أنَّ القصة ضعيفة جداً، وقد تَفرَّد به سيف، ولكنها اشتهرت بين الناس، فأردتُ التنبيه على ضعفها.
ـ[عبدالله الخليفي المنتفجي]ــــــــ[01 - 11 - 08, 09:49 م]ـ
بارك الله فيك
ـ[إسماعيل سعد]ــــــــ[02 - 11 - 08, 11:35 م]ـ
جزاكم الله خيرا، ولكن ليس فيها شيء من الأحكام أو الأمور التي ينبني عليها أحكام، وفيها من الفوائد والمواعظ الكثير.
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[03 - 11 - 08, 01:22 ص]ـ
بارك الله بك، لكن من باب الفائدة كان عليك أن تنقل التعديل في سيف مثلما نقلت الجرح
ـ[أحمد بن سالم المصري]ــــــــ[03 - 11 - 08, 01:33 ص]ـ
جزاكم الله خيرا، ولكن ليس فيها شيء من الأحكام أو الأمور التي ينبني عليها أحكام، وفيها من الفوائد والمواعظ الكثير.
وجزاكم أخي الفاضل.
ولكن اعلم أخي الحبيب أن البحث والتنقيب لاستخراج أحداث التاريخ المروي بالأسانيد الصحيحة أولى بكثير من الاعتماد على روايات الكذابين الذين شوهوا صورة التاريخ برواياتِهم، فنحن نعاني مِن هذه الأباطيل حتى الآن، وإن كانت في كثير من الأحيان تُبين محاسن جيل الصحابة، ولكنها في كثير من الأحيان أيضاً تُشوه صورة هذا الجيل.
فالحذر الحذر، فإنها كالسم في العسل.
ـ[أحمد بن سالم المصري]ــــــــ[03 - 11 - 08, 01:45 ص]ـ
بارك الله بك، لكن من باب الفائدة كان عليك أن تنقل التعديل في سيف مثلما نقلت الجرح
جزاكم الله خيراً.
لقد اعتمدتُ في ترجمة سيف على كتاب "تهذيب التهذيب" فقط، ولم أتعداه لاتفاق عباراتِهم على تضعيفه، وكذلك قول الذهبي في "المغني" (رقم:2716): [له تواليف، متروك باتفاق].
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[03 - 11 - 08, 02:18 ص]ـ
ما سبق ذكره من جرح هو بالنسبة لرواية الحديث أما بالنسبة لرواية التاريخ فالأمر يختلف. فيقول الذهبي في ميزان الاعتدال (2/ 255): (كان إخباريا عارفا). ويقول ابن حجر في تقريب التهذيب (1/ 344): (عمدة في التاريخ). أما اتهام ابن حبان لسيف بالزندقة فيجيب عنه ابن حجر في التقريب (1/ 344) بقوله: (أفحش ابن حبان القول فيه).
¥