قوله: «لا رَزْقٍ من بيتِ المَالِ»، الرَّزْق بفتح الراء: الإعطاء، والرِّزْق بكسر الراء: المرزوق، فلا يحرم أن يُعْطَى المؤذِّن والمُقيم عطاءً من بيت المال، وهو ما يُعرفَ في وقتنا بالرَّاتب؛ لأن بيت المال إنما وُضِعَ لمصالح المسلمين، والأذان والإقامة من مصالح المسلمين.
22 - (ص 87)
قوله: «شُرُوطُهَا قَبْلَها» ... ومعناها أن الشرُوط تقع قبلها؛ لكن لا بُدَّ من استمرارها فيها والأركان توافق الشُّروط في أنَّ الصَّلاة لا تصحُّ إلا بها، لكن تُخالفها فيما يلي:
أولاً: أنَّ الشُّروط قبلها، والأركانَ فيها.
وثانياً: أنَّ الشُّروطَ مستمرَّة من قبل الدّخول في الصَّلاة إلى آخر الصَّلاة، والأركان ينتقل من ركن إلى ركن: القيام، فالرُّكوع، فالرَّفع من الرُّكوع، فالسُّجود، فالقيام من السُّجود، ونحو ذلك.
ثالثاً: الأركان تتركَّبُ منها ماهيَّةُ الصَّلاة بخلاف الشُّروط، فَسَتْرُ العورة لا تتركَّبُ منه ماهيَّة الصَّلاة؛ لكنه لا بُدَّ منه في الصَّلاة.
23 - (ص 107)
والفجر الثاني: بيَّنه المؤلِّف بقوله: «وهو البياض المعترض» في الأُفق، يعني: من الشَّمال إلى الجنوب.
وأفادنا المؤلِّف رحمه الله بقوله: «إلى طُلوع الفجر الثاني» أنَّ هناك فجراً أوّل وهو كذلك. والفجر الأوَّل يخرج قبل الثَّاني بنحو ساعة، أو ساعة إلا ربعاً، أو قريباً من ذلك.
وذكر العلماء أن بينه وبين الثاني ثلاثة فُروق:
الفرق الأول: أن الفجر الأوَّل ممتدٌّ لا معترض، أي: ممتدٌّ طولاً من الشَّرق إلى الغرب، والثاني معترض من الشّمال إلى الجنوب.
الفرق الثاني: أن الفجر الأوَّل يُظلم، أي: يكون هذا النُّور لمدَّة قصيرة ثم يُظلم، والفجر الثاني: لا يُظلم بل يزداد نوراً وإضاءة.
الفرق الثالث: أن الفجر الثَّاني متَّصل بالأُفق، ليس بينه وبين الأُفق ظُلمة، والفجر الأوَّل منقطع عن الأُفق، بينه وبين الأُفق ظُلمة.
والفجر الأوَّل لا يترتَّب عليه شيء من الأمور الشرعيَّة أبداً، لا إمساك في صوم، ولا حِلُّ صلاة فجر، فالأحكام مرتَّبة على الفجر الثَّاني.
24 - (ص 179)
قوله: «لا مَنْ حُبِسَ في مَحَلٍّ نَجِسٍ»، معطوف على قوله: «أعاد»، أي: لا يُعيد من حُبِسَ في مَحَلٍّ نجسٍ، ولم يتمكَّن من الخروج إلى مَحَلٍّ طاهرٍ؛ لأنَّه مُكره على المُكْثِ في هذا المكان، والإكراه حكمه مرفوع عن هذه الأمة، كما قال النبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام: «إن الله تجاوز عن أُمَّتي الخطأ والنسيانَ وما استُكرِهُوا عليه».
والفرق بينه وبين مَنْ صَلَّى في ثوبٍ نجس أنَّ مَنْ صَلَّى في ثوبٍ نجسٍ ليس مُكرهاً على الصَّلاة فيه ولذلك لو أُكره على الصَّلاة في ثوبٍ نجس، فإنه يُصلِّي فيه ولا إعادة.
25 - (ص 229)
[وَمَنْ رَأَى عَلَيه نَجَاسَةً بَعْدَ صَلَاتِهِ، وَجَهِلَ كَوْنَهَا فيها لَمْ يُعدْ، وإنْ عَلِمَ أنَّهَا كَانَتْ فِيهَا لَكِنْ نَسِيهَا أَوْ جَهِلها أَعَادَ]
والرَّاجح في هذه المسائل كلِّها: أنه لا إعادة عليه سواء نسيها، أم نسي أن يغسلها أم جهل أنها أصابته، أم جهل أنها من النَّجاسات، أم جهل حكمها أم جهل أنها قبل الصَّلاة، أم بعد الصلاة.
والدَّليل على ذلك: القاعدة العظيمة العامة التي وضعها الله لعباده وهي قوله: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (البقرة: من الآية 286)، وهذا الرَّجُل الفاعل لهذا المحرَّم كان جاهلاً أو ناسياً، وقد رفع الله المؤاخذة به، ولم يبقَ شيء يُطالب به.
وهناك دليل خاصٌّ في المسألة، وهو أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صَلَّى في نعلين وفيهما قَذَرٌ؛ وأعلمه بذلك جبريل لم يستأنف الصَّلاة وإذا لم يُبْطِل هذا أولَ الصَّلاة، فإنه لا يُبْطِلُ بقيَّة الصَّلاة.
ولو قال قائل: ما الذي منع قياسها على ما إذا صَلَّى محدثاً وهو جاهل أو ناسٍ؟
نقول: أنَّ ترك الوُضُوء من باب ترك المأمور، فالوُضُوء شيء مأمور به؛ يُطلب من الإنسان أن يقوم به، والنجاسة شيء منهيٌّ عنه؛ يُطلب من الإنسان أن يتخلَّى عنه، فلا يمكن قياس فعل المحظور على ترك المأمور؛ لأن فعل المحظور إذا عُفي عنه مع الجهل والنسيان كان فاعله كمن لم يفعله سَوَاء؛ لعدم الإثم به. أمَّا ترك المأمور مع الجهل والنسيان فيُعفى عنه حال تركه؛ فليس في الإثم كمن تركه عامداً؛ لكنه يمكن تدارك مصلحته بإعادته على الوجه المأمور به، فتنبَّه للفرق فإنه واضح.
وعلى هذا؛ لو أن أحداً أكل لحم إبل، وهو لم يعلم أنه لحم إبل، أو أنه ناقض للُوضُوء، أو علم بذلك لكن نسيَ أن يتوضَّأ؛ أو نسيَ أنه أكله؛ وقام وصلَّى بلا وُضُوء ثم علم، فعليه الإعادة لأن هذا من باب ترك المأمور؛ بخلاف النَّجاسة، فهي من باب فعل المحظور، هذا هو الصَّحيح في هذه المسألة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو رواية عن الإمام أحمد في هذه المسألة.
¥