[أيها الناس صلوا في بيوتكم]
ـ[عبدالله البطاطي]ــــــــ[15 - 08 - 06, 09:23 ص]ـ
[أيها الناس صلوا في بيوتكم]
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لانبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .. أما بعد:
فمن حكمة الله سبحانه ورحمته بهذه الأمة المباركة أن شرع لها من النوافل ما هو من جنس الفرائض، فهذه الصلاة أعظم أركان الإسلام العملية، منها خمس صلوات مكتوبات مفروضات، وتحيط بها رواتبها المسنونة، سواء كانت قبلية أو بعدية، وهذا سوى النفل المطلق.
وهذا الصوم: العبادة التي استأثر بها الله تبارك وتعالى لنفسه في الحديث القدسي: "والصوم لي وأنا أجزي به" منه فريضة رمضان، ومنه صيام النفل المبثوث في سائر أيام السنة.
وهذه الزكاة: حق الله في أموال العباد، تخرج عند تمام الحول مرة واحدة، بينما الصدقات المستحبة يخرجها العبد في أي وقت من الحول شاء.
وهذا الحج المعظم واجب في العمر مرة، وما زاد فهو تطوع.
فأنت ترى أن المولى جل جلاله عين عبادات بعينها، لمقاصد يريدها، ففرضها على عباده، وكتبها عليهم حقاً لازماً أن يأتوا بها إن كانوا مؤمنين، وهي ـ مع محبة الله لها، وعظيم قدرها عنده سبحانه ـ لم تفرض إلا بأعداد معينة، وأوقات محددة، رحمة بالعباد، ورأفة بالخلق، لكنه سبحانه شرع لهم نوافل من جنس هذه الفرائض ليتقربوا بها إليه، ويطلبوا الزلفى لديه.
وهذه النوافل لها فوائد جمة لا يحصيها إلا الله، لكن نستطيع أن نستل من بينها ثلاثة أرى أنها أنسق النصال في كنانتي، وهي:
أـ أن المداومة على فعل النوافل تزيد في إيمان العبد، وتقوي يقينه.
ومن المقرر المعروف سلفاً عند أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بطاعة الرحمن، وينقص بطاعة الشيطان.
قال الإمام البخاري رحمه الله: كتبت عن ألف وثمانين رجلاً، ليس فيهم إلا صاحب حديث، كانوا يقولون: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص (1).
فائدة: قال ابن مجاهد: كنت عند عطاء بن أبي رباح فجاء ابنه يعقوب فقال: يا أبتاه إن أصحاباً لنا يزعمون إيمانهم كإيمان جبريل، فقال: يا بني ليس إيمان من أطاع الله كإيمان من عصى الله (2).
ب ـ أن ملازمة أدائها يقرب العبد من ربه، ويرتقي به في درجات العبودية، حتى يبلغ درجة الصديقين الأبرار حين يحبه الله عز وجل، كما ثبت في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: قال الله عز وجل: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته" (3).
جـ ـ أن الله عز وجل يجبر الخلل الحاصل في الفرائض بهذه النوافل، فيكمل نقصها بها.
وقد ثبت في السنة أمران مشروعان، يتممان النقص الحاصل في أجر العبادة وثوابها، وهما:
1ـ نوافل العبادات، وهذا عام لكل الفرائض، والدليل عليه: ماذكره حديث ابن قبيصة قال: قدمت المدينة فقلت: اللهم يسر لي جليساً صالحاً، قال: فجلست إلى أبي هريرة، فقلت: إني سألت الله أن يرزقني جليساً صالحاً، فحدثني بحديث سمعته من رسول الله لعل الله أن ينفعني به؟ فقال: سمعت رسول الله يقول: "إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب تبارك وتعالى: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك" (4).
2ـ أثر الاستغفار عقيب الصلاة وهو خاص بالصلاة؛ أن النبي كان يداوم على الاستغفار ثلاثاً بعد الانتهاء من الصلوات المكتوبة.
فعن ثوبان رضي الله عنه قال: كان رسول الله إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثاً وقال: "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام". قال الوليد ـ أحد رواة الحديث ـ: فقلت للأوزاعي: كيف الاستغفار؟ قال: تقول: أستغفر الله، أستغفر الله (5).
فالاستغفار ههنا لا لحصول معصية .. كلا، وإنما لما عساه أن يكون قد ألم في صلاته بما ينقص أجرها، فيطلب المغفرة من الله سبحانه لأجل هذا التقصير.
¥