تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لِلْمَجْنُونِ سِرًّا يَسْجُدُ الْعَقْلُ عَلَى بَابِهِ؛ وَذَلِكَ لِمَا رَآهُ مِنْ بَعْضِ الْمَجَانِينِ مِنْ نَوْعِ مُكَاشَفَةٍ أَوْ تَصَرُّفٍ عَجِيبٍ خَارِقٍ لِلْعَادَةِ. وَيَكُونُ ذَلِكَ بِسَبَبِ مَا اقْتَرَنَ بِهِ مِنْ الشَّيَاطِينِ كَمَا يَكُونُ لِلسَّحَرَةِ وَالْكُهَّانِ فَيَظُنُّ هَذَا الضَّالُّ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَاشَفَ أَوْ خَرَقَ عَادَةً كَانَ وَلِيًّا لِلَّهِ. وَمَنْ اعْتَقَدَ هَذَا فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ فَضْلًا عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَكُونُ لَهُمْ مِنْ الْمُكَاشَفَاتِ وَخَرْقِ الْعَادَاتِ بِسَبَبِ شَيَاطِينِهِمْ أَضْعَافُ مَا لِهَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا كَانَ الرَّجُلُ أَضَلَّ وَأَكْفَرَ كَانَ الشَّيْطَانُ إلَيْهِ أَقْرَبَ؛ لَكِنْ لَا بُدَّ فِي جَمِيعِ مُكَاشَفَةِ هَؤُلَاءِ مِنْ الْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ ...

ص449: وَمَنْ تَكَلَّمَ فِي الدِّينِ بِلَا عِلْمٍ كَانَ كَاذِبًا وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ {عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَالَتْ لَهُ سبيعة الأسلمية وَقَدْ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَكَانَتْ حَامِلًا فَوَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ قَلَائِلَ فَقَالَ لَهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بعكك: مَا أَنْتَ بِنَاكِحَةٍ حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْكِ آخِرُ الْأَجَلَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَبَ أَبُو السَّنَابِلِ بَلْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي} وَكَذَلِكَ لَمَّا قَالَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ إنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ عَامِرًا قَتَلَ نَفْسَهُ وَحَبِطَ عَمَلُهُ فَقَالَ: " كَذَبَ مَنْ قَالَهَا؛ إنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ " وَكَانَ قَائِلُ ذَلِكَ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْكَذِبَ فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ أسيد بْنَ الحضير؛ لَكِنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ بِلَا عِلْمٍ كَذَّبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ فِيمَا يُفْتُونَ فِيهِ بِاجْتِهَادِهِمْ: إنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَهُوَ مِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ. فَإِذَا كَانَ خَطَأُ الْمُجْتَهِدِ الْمَغْفُورِ لَهُ هُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَكَيْفَ بِمَنْ تَكَلَّمَ بِلَا اجْتِهَادٍ يُبِيحُ لَهُ الْكَلَامَ فِي الدِّينِ؟ فَهَذَا خَطَؤُهُ أَيْضًا مِنْ الشَّيْطَانِ مَعَ أَنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَتُبْ وَالْمُجْتَهِدُ خَطَؤُهُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَهُوَ مَغْفُورٌ لَهُ؛ كَمَا أَنَّ الِاحْتِلَامَ وَالنِّسْيَانَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَهُوَ مَغْفُورٌ، بِخِلَافِ مَنْ تَكَلَّمَ بِلَا اجْتِهَادٍ يُبِيحُ لَهُ ذَلِكَ فَهَذَا كَاذِبٌ آثِمٌ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِلُ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ وَيُوحِي إلَيْهِ بِحَسَبِ مُوَافَقَتِهِ لَهُ وَيُطْرَدُ بِحَسَبِ إخْلَاصِهِ لِلَّهِ وَطَاعَتِهِ لَهُ قَالَ تَعَالَى: {إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}.

ص 480: وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَا تَكُنْ مِمَّنْ يَتَّبِعُ الْحَقَّ إذَا وَافَقَ هَوَاهُ وَيُخَالِفُهُ إذَا خَالَفَ هَوَاهُ فَإِذَا أَنْتَ لا تُثَابُ عَلَى مَا اتَّبَعْته مِنْ الْحَقِّ، وَتُعَاقَبُ عَلَى مَا خَالَفْته. وَهُوَ كَمَا قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إنَّمَا قَصَدَ اتِّبَاعَ هَوَاهُ لَمْ يَعْمَلْ لِلَّهِ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير