قال شيخ الإسلام: إنما المستحب إذا مات الميت أن يصنع لأهله طعام كما في حديث عبد الله بن جعفر ... مجموع الفتاوى (24/ 317)
قال صاحب زاد المستقنع: و سن أن يصلح لأهل الميت طعام يبعث به إليهم.
قال الشيخ بن عثيمين شارحاً لهذا: و ظاهر كلام المؤلف أن صنع الطعام لأهل الميت سنة مطلقاً، و لكن السنة تدل على أبه ليس بسُنة مطلقاُ، و إنما هو سُنة لمن انشغلوا عن إصلاح الطعام بما أصابهم من مصيبة لقوله:" فقد أتاهم ما يشغلهم "، و مع ذلك غالى بعض الناس في هذه المسألة غلواً عظيماً لا سيما في أطراف البلاد حتى إنهم إذا مات الميت يرسلون الهدايا من الخرفان الكثيرة لأهل الميت. الشرح الممتع (5/ 471)
خامساً: ذكر ما يخلف هذه السُنة.
الحديث: عن جرير بن عبد الله البجلي قال:" كُنا (نعد) أو نرى الاجتماع إلى أهل الميت، و صنعة الطعام (بعد دفنه) من النياحة ".
التخريج: رواه أحمد في المسند (2/ 650) برقم 6922، و ما بين القوسين له.
و رواه بن ماجة في سننه (1/ 514) برقم 1612، باب ما جاء في النهي عن الاجتماع إلى أهل الميت، و صنعة الطعام
و رواه الطبراني في معجمه الكبير برقم 2279
والحديث صحيح على شرط الشيخين، و قد صححه النووي كما في المجموع (5/ 320)، وكذلك الشيخ الألباني كما في أحكام الجنائز ص 167
فقه الحديث:
? قال السندي: قوله "كنا نرى هذا" بمنزلة إجماع الصحابة أو تقرير من النبي صلى الله عليه و سلم، و على الثاني فحكمه الرفع و على التقديرين فهو حجة، .. و بالجملة فهذا عكس الوارد إذ الوارد أن يصنع الناس الطعام لأهل الميت فاجتماع الناس في بيتهم حتى يتكلفوا لأجلهم الطعام قلب لذلك، و قد ذكر كثير من الفقهاء أن الضيافة لأهل الميت قلب للمعقول لأن الضيافة حقاً أن تكون للسرور لا للحزن. نقله صاحب عون المعبود (4/ 406)
? قال الشوكاني: يعني أنهم كانوا يعدّون الاجتماع عند أهل الميت بعد دفنه و أكل الطعام عندهم نوعاً من النياحة كما في ذلك من التثقيل عليهم و شغلهم مع ما هم فيه من شغلة الخاطر بموت الميت و ما فيه من مخالفة السُنة لأنهم مأمورون بأن يصنعوا لأهل الميت طعاماُ فخالفوا ذلك و كلفوهم صنعة الطعام لغيرهم. نيل الأوطار (4/ 97)
? قال الصنعاني: و يحمل على أن المراد صنعة أهل الميت الطعام لمن يدفن منهم و يحضر لديهم كما هو معروف لبعض أهل الجهات. سبل السلام (2/ 134)
ذكر مذاهب الفقهاء:
? الأحناف: قال الكمال بن الهمام في فتح القدير (1/ 473): و يكره اتخاذ الضيافة من أهل الميت لأنه شرع في السرور لا في الشرور و هي بدعة قبيحة.
و قال الملا علي القاري: و اصطناع أهل الميت الطعام لأجل اجتماع الناس عليه بدعة مكروهة بل صح عن جرير: كنا نعده من النياحة. وهو ظاهر في التحريم. نقله في تحفة الأحوذي (4/ 77)
? المالكية: و جمع الناس على طعام بيت الميت بدعة مكروهة لم ينقل فيها شيء و ليس ذلك موضع ولائم. الشرح الصغيرللدردير و حاشية الصاوي (1/ 199)
? الشافعية: قال النووي في المجموع (5/ 320): قال صاحب الشامل و غيره: وأما اصلاح أهل الميت طعاماً و جمع الناس عليه فلم ينقل في شيء وهو بدعة غير مستحبة هذا كلام صاحب الشامل، و يستدل لهذا بحديث جرير بن عبدالله ...
? الحنابلة: قال ابن قدامة: فأما صنع أهل الميت طعاماً للناس فمكروه لأن فيه زيادة على مصيبتهم و شغلاً لهم و تشبهاً بصنع أهل الجاهلية ... و إن دعت الحاجة إلى ذلك جاز فإنه ربما جاءهم من يحضر ميتهم من القرى و الأماكن البعيدة و يبيت عندهم ولا يمكنهم إلا أن يضيفوه. المغني (2/ 413)
قال شيخ الإسلام: و أما صنعة أهل الميت طعام يدعون الناس إليه فهذا غير مشروع و إنما هو بدعة. مجموع الفتاوى (24/ 316)
قال العثيمين: ثم إن أهل الميت يطبخونها للناس و يدعون الناس إليها فتجد البيت الذي أصيب أهله كأنه بيت عرس و هذا لا شك أنه من البدع المنكرة .. الشرح الممتع (5/ 471)
بيان هدي النبي صلى الله عليه وسلم:
قال العلامة الرباني شيخ الإسلام الثاني ابن القيم في زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 528): و كان من هديه صلى الله عليه وسلم أن أهل الميت لا يتكلفون الطعام للناس بل أمر أن يصنع الناس لهم طعاماً يرسلونه إليهم.