ـ من لَقِيَهُ مؤمناً ولكن بغيره من الأنبياء. فلا بد أن يكون مؤمناً به عليه الصلاة والسلام، فلو كان مؤمناً بغيره من الأنبياء ولم يؤمِنْ به فلا يدخل في الصحبة، وذلك مثل من لقيه من أهل الكِتابِ.
ـ من لقيه قبلَ بِعْثَتِهِ عليه الصلاة والسلام ثم آمن به ولم يَرَهُ حالَ الإيمانِ. يعني: من لقي رسول الله عليه الصلاة والسلام قبلَ البِعْثَةِ ثم سمع به وآمن؛ ولكنه لم يلقَهُ حالَ إيمانه، فهذا لا يُعَدُّ في الصحابة.
ـ من رأى النبي عليه الصلاة والسلام بعد موته، وهذا لا يكون إلا مناماً. ومن ذهب إلى أن النبي عليه الصلاة والسلام يمكن أن يُرَى في اليقظة بعد مماته؛ فهذا قولٌ باطلٌ لا يَصِحُّ، وقول النبي عليه الصلاة والسلام: " من رآني في المنام فسوف يراني في اليقظة "، يُرادُ به البِشارَةُ له بأنّه من أهلِ الجنة إن شاء الله تعالى.
ويشترط لرؤيته عليه الصلاة والسلام حتى في المنام أن تكون مطابقةً لأوصافه الواردةِ والتي أَشْبَعَها أهلُ العِلمِ تحقيقاً، وإذا خالفَ المرئيُّ صورةَ رسول الله عليه الصلاة والسلام فهذه ليست رؤياله عليه الصلاة والسلام لأن الشيطانَ لا يستطيعُ أن يَتَمَثَّلُ في صورته، وإنما يمكنُ أن يتمثل في صورةٍ أخرى ويُلَبِّسُ على الشخص بأنه رسول الله عليه الصلاة والسلام.
ـ مِنِ ارْتَدَّ ومات على الرِّدَّة والعياذُ باللهِ خَرَجَ من مُسَمّى الصحبةِ ولو كان مُصاحباً لرسول الله عليه الصلاة والسلام حالَ إيمانه ما دامَ قَدِ ارتد ومات على الردة.
وتعلمون أن رسول الله عليه الصلاة والسلام ذكر أنه يُزادُ أقوامٌ عن حوضه فيقول: " أصحابي أصحابي " فيقال: " إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك "، وهؤلاء جمعٌ من الأعرابِ الذين لَقوا رسول الله عليه الصلاة والسلام وآمنوا به ثم لما توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام ارتدوا على أعقابهم وخرجوا من الإسلام وقد قاتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
ملاحظات:
1_ هذا التعريف الذي ذكرناه قد خالف فيه بعضُ أهلِ العلمِ ولكنَّ المختارَ من التعريفاتِ هو ما ذكرناه والحمد لله رب العالمين.
2_ يوجدُ أثرٌ عن أنس بن مالك قد يُشْكِلُ مع هذا التعريف، وهو قول أنس t عندما قيل له: هل بقي من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام أحدٌ غيرُك؟ قال: (ناسٌ من الأعرابِ رأوه، وأما من صَحِبَهُ فلا).
فإذا تأملنا هذا الأثرَ نََجِدُ فيه شيئاً من التعارضِ الظاهرِيِّ مع التعريفِ الذي قد ذكرناه، ولكنه في الحقيقة لا يوجد تعارضٌ لأن أنساً إنما أراد بذلك الصحبةَ الخاصةَ وليس الصحبةَ العامَّةَ التي نحن بصدد تعريفها، ولا ينافي قولُه هذا ما اصطلح عليه الجمهورُ لشرفِ رسول الله عليه الصلاة والسلام وجلالة قدره وقدرِ من رآه.
ويدلُّ على ما ذكرناه الحديثُ الصحيحُ الذي رواه البخاري ومسلم، واللفظ الذي سنذكره هو لفظ مسلم، يرويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: " يأتي على الناس زمانٌ يَغْزو فِئامٌ من الناس فيقال لهم: فيكم من رأى رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ فيقولون: نعم، فيُفْتَحُ لهم. ثم يغزو فئام من الناس فيقال لهم: فيكم من رأى من رأى رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم. ثم يغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من رأى من رأى من رأى رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم ".
فهذا الحديث يدل على عِظَمِ شرفِ الصحبةِ ولو كانت برؤية رسول الله عليه الصلاة والسلام فقط.
* طرق معرفة الصحابي:
الصحابيُّ يعرفُ بِعِدَّةِ طُرُقٍ، ويَهُمُّنا في علمِ الحديث أن نتعرف على الصحابي من غيره، وسنذكر أهمية ذلك في نهاية المحاضرة إن شاء الله تعالى. أما طرق معرفة الصحابي فمنها:
1_ التواترُ، الذي تكلمنا عليه في المحاضرة الأولى. يعني: الذي لا يختلف عليه الناس في كونه صحابياً ولا يمكنُ أن يَتَطَرَّقَ إليه شكٌّ، وهؤلاءِ مثلُ العَشَرَةِ المبشرين بالجنة ونحوهم من المشاهيرِ الذين لا يجادلُ أحدٌ في كونهم قد صحبوا رسول الله عليه الصلاة والسلام.
والعشرةُ المُبّشَّرونَ بالجنة فهم كما يقول الشاعر:
أَكْرِمْ بطلحةَ والزبيرِ وسَعْدِهمْ وسعيدهم وبعابدِ الرحمن
¥