فأَحاديثُ هذا القِسْم في «الصَّحيحين» قليلة ٌ، وهي خارجة ٌ عن إجماعِ الأُمَّةِ الَّذِي ذكرناهُ، وعَنْ تلقِّيها لها بالقَبُول.
وحَالُ أحاديث هذا القِسْمِ، كحَال ِ غَيرِها مِنْ أحاديث المسانيد والسُّنَن وغَيرِها، لِكُلِّ عَالِمٍ مُجْتَهدٍ اجتهادُه، فَرُبَّما كَانَ الصَّوابُ فيها التَّصْحيحَ، كما هو قَوْلُ الشَّيْخين ِ، أَوِ التَّضْعيفَ كَمَا هو قَوْلُ مُخَالفِهما.
على أَنَّ جُمْلة ً مِنْ أحاديثِ هذا القِسْم ليس نِزَاع العُلمَاء في صِحَّةِ أَصْلِهَا، وإنَّما نِزَاعُهم في بَعْض ألفاظِه، أو طُرُقِه ونحو ذلك فحَسْب.
أَمّا زَعْمُ القَنُّوبيِّ، وبَعْض ِ كِبَارِ جُهّال ِالمُبْتدعةِ: أَنَّ أحاديثَ «الصَّحيحين» فيها أحاديثُ مَوْضوعة ٌ مَكْذوبة ٌ! تَشْهَدُ بوَضْعِها العُقُول! والمتواتر مِنَ المَنْقُول!: فكذبة ٌ بَلْقَاءُ مُزْرية، لَمْ يتكلَّمْ بها أَحَدٌ مِمَّنْ لِقَوْلِهِ اعتبار، غير ابن حَزْمٍ، فإنَّهُ ذكَرَ أَنَّ في «الصَّحيحين» حديثَين ِ مَوْضوعَين ِ! وقَدْ رُدَّ قَوْلُهُ عليه، وبَيَّنَ لَهُ الأَئمة ُ كبيرَ خطئِهِ، وعظيمَ غلطِه.
فإذا تقرَّرَ هذا: فإنَّ الطّاعِنَ في أحاديث أَحَدِ القِسْمَين ِالأَوَّلَين ِ، أو الزّاعمَ أَنَّ فيهما أحاديثَ مَوْضوعة ً مَكْذوبة ً: طاعنٌ في «الصَّحيحين» ِ أَصْلا ً وفي أحاديثِهما، ومُفْسِدٌ لِشَرْطِهما، وتَلَقِّي الأُمَّةِ بالقَبُول ِ لهُمَا.
وقَدْ ذكرتُ في كتابي «قدوم كتائب الجهاد» (ص175 - 182) حكاية َ جَمَاعَاتٍ مِنْ أهل العِلْمِ إجْمَاعَ الأُمَّةِ على صِحَّةِ «الصَّحيحين» ِ، وتَلَقِّيْهما لهُمَا بالقَبُول.
وظَنُّ القَنُّوبيِّ أَنَّ إجْمَاعَ الأُمَّةِ أو تلقِّيْها لأحاديثِهما بالقَبُول باطلٌ! بما جَمَعَهُ مِنْ أحاديثِ «الصَّحيحين» الَّتي تكلَّم فيها بَعْضُ العُلمَاء: هو مِنْ جُمْلةِ جَهْلهِ، وضَعْفِ عِلْمِه.
فإنَّ إجْمَاعَ الأُمَّةِ وتلقِّيْها لهما بالقَبُول خَاصٌّ بالقِسْمَين ِالأَوَّلَين ِ، أَمّا القِسْمُ الثّالثُ فحَالُهُ كَمَا ذكَرْتُ آنِفًا.
لهذا تَجِدُ أَنَّ مِنْ أهل العِلْمِ مَنْ حَكَى إجماعَ الأُمَّةِ على صِحَّةِ «الصَّحيحين»، وتلقِّي الأُمَّةِ لهُمَا بالقَبُول، ثُمَّ تجدُ له كلامًا في بَعْض ِ أحاديثِهما!
ولَمْ يَقَعْ هذا له غَفْلة ً ولا سَهْوًا، ولكن لعِلْمِهِ أَنَّ الإجماعَ، وتلقِّي الأُمَّةِ بالقَبُول خَاصٌّ بالقِسْمَين ِالأَوَّلَين ِ، وأَنَّ كلامَهُ هو في تلك الأَحاديثِ لكَوْنِها مِنَ القِسْمِ الثّالث.
فَمَنْ تكلَّمَ في أحاديثِ القِسْمِ الثّالث مِمَّنْ ذكَرَ القَنُّوبيُّ في كتابهِ: فهو مُجْتَهدٌ إنْ مَلَك َ الآلة، بَينَ الأَجْرِ والأَجْرَيْن.
أَمّا مَنْ تكلَّمَ في أحاديثِ القِسْمَين ِالأَوَّلين ِ: فهو مأزورٌ غَيرُ مأجور، قد غَرَّهُ وزَيَّنَ له سُوْءَ عَمَلِهِ الغَرُور!
وفي المسألةِ طُوْلُ بيان، يكفي ما قَدَّمْتُهُ مِنَ التِّبْيان، فإنْ حَصَلَ لي فُسْحَة ٌ مِنَ الأَجل والوَقْتِ، وقرأتُ «الطُّوفان»، فإنَّ لي عليه حينذاك بيانًا غير هذا البَيَان، والله المُوَفِّق، وصَلَّى الله ُ على نبيِّنا مُحَمَّدٍ، وعَلَى آلِهِ وصَحْبهِ وسَلَّمَ تَسْليمًا كثيرًا،،،
كتبه عبد العزيز بن فيصل الراجحي
يوم الأربعاء 10 صفر 1425هـ
الرياض
ص. ب 37726
http://www.alabadyah.com/vbulletin2-2-6/upload/showthread.php?s=&threadid=699
ـ[خالد الشبل]ــــــــ[28 - 04 - 04, 03:37 م]ـ
الأخ الكريم أبا البركات: أحسن الله إليك على هذا النقل.
القسم الثالث:
3 - وقِسْمٌ: تكلَّمَ فيه بَعْضُ الحُفّاظِ المُتَقَدِّمِينَ، وكانوا مِنْ أَئمَّةِ الحديثِ والعِلَل ِ ومَعْرفةِ الرِّجال، وأَصحابَ اتِّبَاعٍ واستقامة.
فأَحاديثُ هذا القِسْم في «الصَّحيحين» قليلة ٌ، وهي خارجة ٌ عن إجماعِ الأُمَّةِ الَّذِي ذكرناهُ، وعَنْ تلقِّيها لها بالقَبُول.
وحَالُ أحاديث هذا القِسْمِ، كحَال ِ غَيرِها مِنْ أحاديث المسانيد والسُّنَن وغَيرِها، لِكُلِّ عَالِمٍ مُجْتَهدٍ اجتهادُه، فَرُبَّما كَانَ الصَّوابُ فيها التَّصْحيحَ، كما هو قَوْلُ الشَّيْخين ِ، أَوِ التَّضْعيفَ كَمَا هو قَوْلُ مُخَالفِهما.
على أَنَّ جُمْلة ً مِنْ أحاديثِ هذا القِسْم ليس نِزَاع العُلمَاء في صِحَّةِ أَصْلِهَا، وإنَّما نِزَاعُهم في بَعْض ألفاظِه، أو طُرُقِه ونحو ذلك فحَسْب.
ويبدو أن هذا القسم هو مناط السؤال، ومحل الإشكال، فهي يفهم من كلام الشيخ - وفقه الله - أن أحاديث هذا القسم - وهي قليلة - لم تكن على شرط الشيخين، على الدقة في الشروط التي وضعاها لرواية الحديث؟ أم أنها صحيحة وعلى شرطيهما، ومن خالفهما فاعتراضه غير معتبر؟