تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن هنا كان ذكر المترفين في كتاب اللّه مقروناً أبداً بالذم والتسفيه .. وكان انتصار العقلِ على أهواء النفس هو سبيل المؤمنين إلى جنة المأوى، لأن في التشبث بضوابط الإيمان العصمةَ الواقية من الزلل فالخلل، ولا جرم أن المجتمع الإسلامي في ظل تلك الانحرافات الفوقية قد فقد الكثير من عواصمه، حتى لاستغرب أن نقرأ في كتاب يعتبره (الكبار) أحد مراجع الأدب الكبرى مثل تلك المقطعات القذرةَ من شعر دنيء يسميه المؤلف (يوسف بن الصيقل) وفيها دعوة صريحة للفارغين تزين لهم ممارسة اللواط وإيثاره، ولا يكتفي الأصفهاني بذلك حتى يعقد بين هذا الصيقل وبين الرشيد علاقة مودة تدفعه إلى الترحيب ومرافقته ومنادمته ثم إجازته! 23/ 0219

حتى ناصر السنة لم ينج من إفكه

ويمتد تضليل الأصفهاني حتى يطل بنا على مجلس المتوكل الذي عُرف بنصره السنة فإذا هو- بزعم هذا المضلل- من الطراز نفسه الذي استحوذ عليه المجون والمنافقون .. ومن صور التبذير التي يرسمها للمتوكل ما ينسبه إلى الشاعر مروان بن أبي حفصة الأصغر إذ يقوله إنه مدح المتوكل بأبيات فأجازه عليها بمئة ألف درهم وخمسين ثوبا من خاص ثيابه!.

ويستقبل المتوكل خالدا لكاتب فيعاتبه على انقطاعه، ثم يأمر له بثلاثة أقداح مُلزِمة، فلا يعفيه منها إلا شفاعة الفتح بن خاقان .. وفي المجلس نفسه يحرِّش المتوكل بين خالد وبن ابن أبي حفصة ليتهاجيا فأمسك مروان، واندفع خالد يقذفه بقذارات يترفع حتى السوقة عن سماعها بَلْهَ نطقَها .. والخليفة يضحك حتى يصفق الأرض برجله!!. وهذا اللغو الذي يسم به الأصفهاني شخصية المتوكل يتنافى مع مميزاته التي عرفناها من خلال صورته الرائعة التي نطالعها في رائية شاعره البحتري حيث يصف خروجه لصلاة العيد في ذلك الموكب الباعث على الاعتزاز:

وبرزتَ في برد النبي فإصبعٌ يومي إليك بها وعين تنظر

ومن خلال تقديره العظيم البالغ للإمام العظيم أحمد بن حنبل، وقضائه المحمي على فتنة المعتزلة.

ونحن لا ننكر أن لكل إنسان، وبخاصة أولئك المثقلون بأعباء الحكم، بَدَواتٍ ينفس بها عن صدره في الخلوات الخاصة .. ولكن أي مصلحة في كشفها للعامة، إلا أن تكون مصلحةَ المتآمرين مع بقايا المجوسية على تحطيم المقومات الإسلامية!.

ألغام في أساس الدولة العباسية:

وفي هذه الجواء المائجة بالعبث، والطافحة بسيول الذهب والفضة تتدفق على صانعي الملاهي، َ لابد أن تتفجر المطامع وتثور الشهوات حتى لا يبالي هُواتُها بالحدود الفاصلة بين الحلال والحرام، والفضيلة والرذيلة، فتصبح الرشوة من أنجع الوسائل في تحقيق الرغبات.

وهذا ما نلاحظه في العلاقة بين إبراهيم الموصلي وبعض أساطين البرامكة، الذين ينيخون بكلاكلهم على صدر الدولة فيتصرفون بأموالها تصرف المطلق الذي لا يسأل عما يفعل ..

ومن هذا القبيل تلك الباقعة التي يرويها الموصلي إذ يخبرنا بأنه أتى الفضل بن يحي- بن جعفر البرمكي- ذات يوم فقال له إن الخليفة قد حبس يده فهب لي أنت .. ويأسف الفضل لأنه لم يكن عنده مال يرضاه له - وبلغة أيامنا ليس عنده سيولة نقدية - ثم تذكر فقال إلا أن هاهنا خصلة – فرجة - أتانا صاحب اليمن فقضينا حوائجه ووجه إلينا بخمسين ألف دينار يشتري لنا بها محبتنا - شيئا يحبه - فما فعلتْ ضياء جاريتُك؟ سأقول لهم يشترونها منك فلا تنقصها عن خمسين ألف دينار. فقبلت رأسه ثم انصرفت، فبكر عليَّ رسول صاحب اليمن .. فسألني عن الجارية فأخرجتها له قائلا إن الفضل بن يحي أعطاني بها أمس خمسين ألف دينار .. فقال وأنا أريدها له، فهل لك في ثلاثين ألف دينار مسلمة لك؟ وكنت قد اشتريتها بأربعمئة دينار. فلما وقع في أذني ذكر الثلاثين ألفا ارتج علي .. وخفت والله أن يحدث بالجارية حدث أو بي أو بالفضل فسلمتها وأخذت المال .. ثم بكرت على الفضل فلما نظر إلي ضحك ثم قال: يا ضيق الحوصلة حرمت نفسك عشرين ألف دينار. ثم نادى: يا غلام .. جيء بالجارية .. وقال خذها مباركة فإنما أردنا منفعتك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير