تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قول بعض الناس الثواب على قدر المشقة ليس بمستقيم على الإطلاق كما قد يستدل به طوائف على أنواع من (الرهبانيات والعبادات المبتدعة (التى لم يشرعها الله ورسوله من جنس تحريمات المشركين وغيرهم ما أحل الله من الطيبات ومثل التعمق والتنطع الذى ذمه النبى صلى الله عليه وسلم حيث قال "هلك المتنطعون " وقال "لو مد لى الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم " الجوع أو العطش المفرط الذى يضر العقل والجسم ويمنع أداء واجبات أو مستحبات أنفع منه وكذلك الإحتفاء والعرى والمشى الذى يضر الإنسان بلا فائدة مثل حديث أبى اسرائيل الذى نذر أن يصوم وأن يقوم قائما ولا يجلس ولا يستظل ولا يتكلم فقال النبى " مروه فليجلس وليستظل وليتكلم وليتم

صومه" (رواه البخارى وهذا باب واسع

وأما الأجر على قدر الطاعة فقد تكون الطاعة لله ورسوله فى عمل ميسر كما يسر الله على أهل الإسلام الكلمتين وهما أفضل الأعمال ولذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم " كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم " أخرجاه فى الصحيحين ولو قيل الأجر على قدر منفعة العمل وفائدته لكان صحيحا إتصاف 000فأما كونه مشقا فليس هو سببا لفضل العمل ورجحانه ولكن قد يكون العمل الفاضل مشقا ففضله لمعنى غير مشقته والصبر عليه مع المشقة يزيد ثوابه وأجره فيزداد الثواب بالمشقة كما أن من كان بعده عن البيت فى الحج والعمرة أكثر يكون أجره أعظم من القريب كما قال النبى لعائشة فى العمرة "’ أجرك على قدر نصبك " لأن الأجر على قدر العمل في بعد المسافة وبالبعد يكثر النصب فيكثر الأجر وكذلك الجهاد وقوله صلى الله عليه وسلم " الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذى يقرأة ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران "

فكثيرا ما يكثر الثواب على قدر المشقة والتعب لا لأن التعب والمشقة مقصود من العمل ولكن لأن العمل مستلزم للمشقة والتعب هذا فى شرعنا رفعت عنا فيه الآصار والأغلال ولم يجعل علينا فيه حرج ولا اريد بنا فيه العسر وأما فى شرع من قبلنا فقد تكون المشقة مطلوبة منهم وكثير من العباد يرى جنس المشقة والألم والتعب مطلوبا مقربا إلى الله لما فيه من نفرة النفس عن اللذات والركون إلى الدنيا وإنقطاع

القلب عن علاقة الجسد وهذا من جنس زهد الصابئة والهند وغيرهم

ولهذا تجد هؤلاء مع من شابههم من الرهبان يعالجون الأعمال الشاقة الشديدة المتعبة من أنواع العبادات والزهادات مع أنه لا فائدة فيها ولا ثمرة لها ولا منفعة إلا ان يكون شيئا يسيرا لا يقاوم العذاب الأليم الذى يجدونه

ونظير هذا الأصل الفاسد مدح بعض الجهال بأن يقول فلان ما نكح ولا ذبح وهذا مدح الرهبان الذين لا ينكحون ولا يذبحون وأما الحنفاء فقد قال النبى صلى الله عليه وسلم " لكنى أصوم وافطر وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتى فليس منى "


وقال رحمه الله تعالى:

ما ينبغي ان يعرف ان الله ليس رضاه او محبته فى مجرد عذاب النفس وحملها على المشاق حتى يكون العمل كل ما كان اشق كان افضل

كما يحسب كثير من الجهال ان الاجر على قدر المشقة في كل شيء لا ولكن الاجر على قدر منفعة العمل ومصلحته وفائدته وعلى قدر طاعة امر الله ورسوله فاى العملين كان أحسن وصاحبه أطوع واتبع كان افضل فان الاعمال لا تتفاضل بالكثرة وانما تتفاضل بما يحصل فى القلوب حال العمل
ولهذا لما نذرت اخت عقبة بن عامر ان تحج ماشية حافية قال النبى " ان الله لغني عن تعذيب اختك نفسها مرها فلتركب (وروى (انه امرها بالهدى " وروى "بالصوم "وكذا حديث جويرية فى تسبيحها بالحصى او النوى وقد دخل عليها ضحى ثم دخل عليها عشية فوجدها على تلك الحال وقوله لها " لقد قلت بعدك اربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لرجحت "
وأصل ذلك ان يعلم العبد ان الله لم يأمرنا الا بما فيه صلاحنا ولم ينهنا الا عما فيه فسادنا ولهذا يثنى الله على العمل الصالح ويأمر بالصلاح والاصلاح وينهى عن الفساد
فالله سبحانه إنما حرم علينا الخبائث لما فيها من المضرة والفساد وامرنا بالاعمال الصالحة لما فيها من المنفعة والصلاح لنا وقد لا تحصل هذه الاعمال الا
بمشقة كالجهاد والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطلب العلم فيحتمل تلك المشقة ويثاب عليها لما يعقبه من المنفعة

كما قال النبى لعائشة لما اعتمرت من التنعيم عام حجة الوداع "أجرك على قدر نصبك "واما اذا كانت فائدة العمل منفعة لا تقاوم مشقته فهذا فساد والله لا يحب الفساد
ومثال ذلك منافع الدنيا فإن من تحمل مشقة لربح كثير او دفع عدو عظيم كان هذا محمودا واما من تحمل كلفا عظيمة ومشاقا شديدة لتحصيل يسير من المال او دفع يسير من الضرر كان بمنزلة من اعطى الف درهم ليعتاض بمائة درهم او مشى مسيرة يوم ليتغدى غدوة يمكنه ان يتغدى خيرا منها فى بلده
فالأمر المشروع المسنون جميعه مبناه على العدل والاقتصاد والتوسط الذي هو خير الامور واعلاها كالفردوس فانه اعلى الجنة واوسط الجنة فمن كان كذلك فمصيره اليه ان شاء الله تعالى
هذا فى كل عبادة لا تقصد لذاتها مثل الجوع والسهر والمشى
وأما ما يقصد لنفسه مثل معرفة الله ومحبته والانابة اليه
والتوكل عليه فهذه يشرع فيها الكمال لكن يقع فيها سرف وعدوان بادخال ما ليس منها فيها مثل ان يدخل ترك الاسباب المأمور بها فى التوكل او يدخل استحلال المحرمات وترك المشروعات فى المحبة فهذا هذا والله سبحانه وتعالى أعلم

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير