وقال الحافظ أبو حفص بن شاهين: أملى علينا ابن أبي داود، ما رأيتُ في يده كتاباً قط، إنما كان يملي حفظاً، وكان يعقد على المنبر، بعد ما عمي، ويقعد دونه بدرجة ابنه أبو معمر بيده كتاب، فيقول له: حديث كذا، فيسرده من حفظه، حتى يأتي على المجلس.
قرأ علينا يوماً حديث الفتون من حفظه، فقام أبو تمام الزينبي وقال: لله درك، ما رأيتُ أحفظ منك، إلا أن يكون إبراهيم الحربي، فقال: كل ما يحفظه إبراهيم فأنا أحفظه، وأنا أعرف بالنجوم وما كان يعرفها.
وقال البخاري: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح.
وسأل رجلٌ أبا زرعة الرازي: إنه حلف بالطلاق إنك تحفظ مائة ألف حديث؟ فقال: تمسك بامرأتك.
وقال أبو زرعة أيضاً: أحفظ في القراءات عشرة آلاف حديث.
وقال الحافظ أبو العباس بن عقدة: أحفظ مائة ألف حديث بأسانيدها.
وقال الحافظ أبو بكر بن الجعابي: أحفظ أربعمائة ألف حديث، وأذاكر بستمائة ألف حديث.
وقال أيضاً: دخلت الرقة، وكان لي ثم قمطر من كتب، فجاء غلامي مغموماً، وقال: ضاعت الكتب، فقلتُ: يا بني لا تغتم، فإن فيها مائتي ألف حديث، لا يشكل علي حديث منها، لا إسناده ولا متنه.
ثم الحافظ نوعان:
حافظ على طريقة الفقهاء، كالطحاوي والبيهقي والباجي وابن العربي المعافري والقاضي عياض والنووي وابن تيمية وابن القيم وابن كثير.
حافظ على طريقة المحدثين، وهم معظم الحفاظ.
والحافظ على طريقة المحدثين أكثر حفظاً، وأوسع رواية، وأعرف بأحوال الرجال وطبقاتهم، وأدرى بقواعد التصحيح والتضعيف، لتمكنه في معرفة العلل وغرائب الأحاديث." اهـ.
وأمير المؤمنين في الحديث هي الرتبة العليا في الحفظ، لا رتبةَ فوقها.
واستحدثت هذه الرتبة في المائة الثانية للهجرة.
قال الحافظ السيوطي في التدريب: كأن هذا اللقب مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم ارحم خلفائي))، قيل: ومن خلفاؤك؟ قال: ((الذين يأتون من بعدي يروون أحاديثي وسنتي))، رواه الطبراني وغيره.
قلتُ: هذا الحديث رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل، والطبراني في المعجم الأوسط، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان، والخطيب في شرف أصحاب الحديث، كلهم من طريق أحمد بن عيسى العلوي، أخبرنا ابن أبي فديك، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عباس قال: سمعتُ علي بن أبي طالب يقول: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((اللهم ارحم خلفائي)) قلنا: يا رسول الله ومن هم؟ قال: ((الذين يأتون من بعدي يروون أحاديثي ويعلمونها الناس))
أحمد بن عيسى الهاشمي العلوي نقل الذهبي في ترجمته من الميزان عن الدارقطني أنه قال فيه: كذاب، وحكم الذهبي ببطلان هذا الحديث، بعد أن ساقه بإسناد الرامهرمزي.
وقال الحافظ الزيلعي في نصب الراية: وقد روى الحافظ أبو محمد الرامهرمزي في أول كتاب المحدث الفاصل حديثاً موضوعاً لأحمد بن عيسى، هو المتهم به، وذكر هذا الحديث.
ورواه الخطيب في شرف أصحاب الحديث من طريق عبد السلام بن عبيد، حدثنا ابن أبي فديك، عن هشام بن سعد به.
عبد السلام بن عبيد قال ابن حبان: يسرق الحديث، ويروي الموضوعات.
وسرقة الحديث: أن يعمد الراوي إلى حديث معروف من طريق معين، فيرويه من طريق آخر.
مثاله: روى الليث ويونس عن الزهري، عن أنس حديث ((من كذب علي متعمداً .. )) الحديث، رواه عبد السلام هذا عن سفيان بن عيينة عن الزهري، فحوله من رواية الليث ويونس إلى رواية ابن عيينة، وهذه سرقة.
وروى ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة حديث: ((لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين))، سرقه عبد السلام فرواه عن ابن عيينة عن الزهري عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.
وعبد السلام هذا روى عنه أبو عوانة في صحيحه، كأنه لم يعرف حاله.
ولحديث الخلفاء طريق آخر، أخرجه الخطيب في شرف أصحاب الحديث، من طريق أبي الصباح عبد الغفور عن أبي هاشم الرماني، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ألا أدلكم على آية الخلفاء مني ومن أصحابي ومن الأنبياء قبلي؟ هم حملة القرآن والأحاديث عني وعنهم في الله ولله عز وجل)).
عبد الغفور قال ابن حبان: كان ممن يضع الحديث، وقال ابن عدي: ضعيف منكر الحديث.
¥