تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإن أراد من الخلفاء فكذلك، لأن الصحابي في مقام تعريف الشرع بهذا الكلام فيجب حمله على من صدر عنه الشرع.

قلت: إلا أن يكون قائل ليس من مجتهدي الصحابة فيحتمل أن يريد بالأمر أحد المجتهدين منهم والله أعلم. وأما حمله على القياس والاستنباط فبعيد، لأن قوله: أمرنا بكذا يفهم منه حقيقة الأمر (لا خصوص الأمر باتباع القياس).

تنبيهات

الأول: قيل: محل خلاف في هذه المسألة فيما إذا كان قائل ذلك من الصحابة غير أبي بكر رضي الله عنه وعنهم. أما إذا قال أبو بكر رضي الله عنه فيكون مرفوعاً قطعاً.

لأن غير النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمره ولا ينهاه، لأنه تأمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم ووجب على غيره امتثال أمره. حكى هذا المذهب أبو السعادات ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول وهو مقبول.

الثاني: لا اختصاص لذلك بقوله: أمرنا أو نهينا. بل يلحق به ما إذا قال: أمر فلان بكذا أو نهى فلان عن كذا أو أمر أو نهى بلا إضافة وكذا مثل قول عائشة رضي الله تعالى عنها ((كنا نؤمر بقضاء الصوم …)) الحديث.

وأما إذا قال الصحابة رضي الله عنه أوجب علينا كذا أو حرم علينا كذا أو أبيح لنا كذا، فهو

مرفوع. ويبعد تطرق الاحتمالات المتقدمة إليه بعداً قوياً جداً.

الثالث: إذا قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا أو سمعته يأمر بكذا، فهو مرفوع بلا خلاف، لانتفاء الاحتما لالمتقدم. لكن حكى القاضي أبو الطيب وغيره عن داود وبعض المتكلمين أنه لا يكون حجة حتى ينقل لفظه لاختلاف الناس في صيغ الأمر والنهي فيحتمل أن يكون سمع صيغة ظنها أمراً أو نهياً وليس كذلك في نفس لأمر.

وأجيب بأن الظاهر من حال الصحابة رضي الله عنه مع عدالته ومعرفته بأوضاع اللغة أنه لا يطلق ذلك إلا فيما تحقق أنه أمر أو نهي من غير شك نفياً للتدليس عنه بنقل ما يوجب على سامعه اعتقاد الأمر والنهي فيما ليس هو أمر ولا نهي.

الرابع: نفي الخلاف المذكور عن أهل الحديث، فقال البيهقي: لا خلاف بين أهل النقل أن الصحابي رضي الله تعالى عنه إذا قال: أمرنا أو نهينا أو من السنة كذا أنه يكون حديثاً مسنداً والله أعلم.

[قول الصحابي من السنة كذا:]

60 - قوله (ص): ((وهكذا قول الصحابي رضي الله عنه ((من السنة كذا فالأصح أنه مرفوع …)) إلى آخره.

قال القاضي أبو الطيب: هو ظاهر مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه.

وقال ابن عبد البر: ((إذا أطلق الصحابي رضي الله تعالى عنه السنة فالمراد بها سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يضعفها إلى صاحبها كقولهم: سنة العمرين. ومقابل الأصح خلاف الصيرفي من الشافعية والكرخي والرازي من الحنفية وابن حزم الظاهري. بل حكاه إمام الحرمين في البرهان عن المحققين. وجرى عليه ابن القشيري، وجزم بن فورك وسليم الرازي وأبو الحسين بن القطان والصيدلاني من الشافعية بأنه الجديد من مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه. وكذا حكاه المازري في شرح البرهان.

وحكوا كلهم أن الشافعي رضي الله تعالى عنه كذا في القديم يراه مرفوعاً وحكوا تردده ذلك [في] الجديد، لكن نص الشافعي رضي الله عنه في الأم وهو من الكتب الجديدة على ذلك. فقال في باب عدد الكفن بعد ذكر ابن عباس والضحاك بن قيس رضي الله عنهما: ((رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: لا يقولان السنة إلا السنة إلا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم)).

وروى في الأم أيضاً عن سفيان عن أبي الزناد قال: سئل سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته؟ قال: يفرق بينهما.

قال أبو الزناد: فقلت: سنة؟

فقال سعيد: سنة.

قال الشافعي: الذي يشبه قول سعيد سنة أن يكون أراد سنة النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى. وحينئذ قله في الجديد قولان. وبه جزم الرافعي. ومستندهم أن اسم السنة متردد بين سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة غيره. كما قال صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)). وأجيب بأن احتمال إرادة النبي صلى الله عليه وسلم أزهر لوجهين:

1 - أحدهما: أن إسناد ذلك إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم هو المتبادر إلى الفهم، فكان الحمل عليه أولى.

2 - الثاني: أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم أصل. وسنة الخلفاء الراشدين تبع لسنته.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير