تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولم يكن ابن الأثير يحرص على أن يستشهد على معنى الغريب الذي عقد له المادة اللغوية بالقرآن الكريم، ومن هنا ندرت الشواهد القرآنية في"النهاية". ومن ذلك استشهاده بقوله تعالى:? ? ? ? ? ? ? [الإسراء الآية:20] على مادة الحَظْر بمعنى المنع ().واستشهاده بقوله تعالى: ? ? ? ? ? ?? ? [يوسف الآية: 80] على مادة (خلص) () أي: تميَّزُوا عن الناس متناجِين.

وقد يركن إلى بعض القراءات المتواترة أو الشاذة ليُجلي المعنى الذي يذهب إليه في شرح غريبه. ففي مادة (طيف) يقول ():"وأصل الطَّيف الجنون، ثم استعمل في الغضب ومَسِّ الشيطان ووسوسته، ويقال له: طائف. وقد قرئ بهما قولُه تعالى: ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? [الأعراف الآية:201] ()، وفي الحديث ():"أنشدك اللهَ لمَّا فعلتَ كذا يقول: أي: إلا فَعَلْته، وتُخَفف الميم وتكون"ما"زائدة. وقُرئ بهما قولُه تعالى: ? ? ? ? ? ? ? ? [الطارق الآية:4] () أي: ما كل نفس إلا عليها حافِظ، وإن كلُّ نفسٍ لعليها حافظ".

وفي حديث فَضالة ():"حتى يقول الأعراب مجانينُ أو مجانُون". يقول:"المجانين جمع تكسير لمجنون، وأمَّا مجانون فشاذٌّ كما شَذَّ شياطون في شياطين، وقد قُرئ:"واتَّبَعوا ماتتلو الشياطون" ().

أما شواهده من الشعر العربي الفصيح، فقد عني بها ابن الأثير عناية واضحة، وكان يوردها في المادة اللغوية التي عقدها، فيشرحها أو يُوردها ليؤكِّد معنىً ذهب إليه في شرح غريبه، ومن ذلك قوله في مادة (بدر) في حديث المبعث"فرجَعَ بها ترجُفُ بوادِرُه". () هي جمع بادِرَة، وهي لَحْمَةٌ بين المَنكِب والعنق، والبادِرَة من الكلام الذي يسبق الإنسان إليه في الغضب. ومنه قول النابغة:

ولا خيرَ في حِلْمٍ إذا لم تكن له بوادِرُ تَحْمي صَفْوَه أن يُكَدَّرا

وفي مادة (حتف) () يورد حديث عبيد بن عمير:"ما مات من السمك حَتْفَ أنفه فلا تأكله". يعني الطافي، ومنه حديث عامر بن فُهيرة:

"والمرء يأتي حَتْفُه من فوقه"

أي: "إنَّ حِذْرَه وجُبْنه غيرُ دافع عنه المنيَّة إذا حَلَّتْ بِه".

ويورد ابن الأثير في حديث الاستسقاء () قولَ الشاعر:

أتيناكِ والعَذْراءُ يَدْمَى لَبانُها

فيقف على لفظة"لَبانها"ويقول:"أي يَدْمَى صدرُها لامتهانِها نفسَها في الخدمة، حيث لا تجد ما تُعطيه من يَخْدُمها من الجَدْب وشدَّة الزمان، وأصل اللَّبانِ في الفرس موضع اللَّبَب ثم اسْتُعير للناس".

ومن القصائد التي عُني بها ابن الأثير في"نهايته"قصيدة كعب بن زهير:"بانت سعاد". حيث أوْرَد معظمها في مظانِّها من الغريب وفق الترتيب الهجائي، وشَرَح ألفاظها حسب منهجه.

****************

ج - أوجه عناية"ابن الأثير"بالغريب

أسهمت كتب غريب الحديث بنصيبٍ وافرٍ في بناء المعجم اللغوي العربي؛ لِما قَدَّمَتْه من تأصيلٍ واسعٍ لمفردات العربية، من حيث استعمالاتُها وشواهدُها، وجذورُها اللغوية، ولغاتُها وضبطُ حروفها، والتمييزُ بين الفصيح وغير الفصيح منها، وما طرأ عليها من انتقالها من المعنى المحسوس المحدود إلى المعنى الحضاري الواسع.

وكتاب"النهاية في غريب الحديث والأثر"من المراجع اللغوية التي كان لها أثر في مَدِّ المعاجم العربية بمادتها الغزيرة، ويكفي أن نعلم أنَّ معجم"لسان العرب"لابن منظور قد أقام كتابه على أُمَّاتٍ من المصنفات اللغوية كان منها"نهاية"ابن الأثير. يقول في مقدمته ():"فرأيت أبا السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجَزَري، قد جاء في ذلك بالنهاية، وجاوز في الجودة حدَّ الغاية ثم يقول:"وليس لي في هذا الكتاب -يعني اللسان- فضيلةٌ أَمُتُّ بها، ولا وسيلةٌ أتمسَّك بسببها، سوى أني جمعتُ فيه ما تفرَّق في تلك الكتب من العلوم".

لقد خدم ابن الأثير في معجمه:"النهاية"غريبَ الحديث خدمة وافية جعلَتْه يستوعب تراثاً غنياً سبقه، فتمثَّله وأضاف إليه نظرات نقدية فاحصة. ويمكن أن نقسم هذه الخدمة إلى جانبين:

1 ـ جانب التأصيل اللغوي للغريب.

2 ـ جانب البيان المعنوي للغريب.

1 ـ جانب التأصيل اللغوي للغريب

أمَّا جانب التأصيل اللغوي للغريب الوارد في الأحاديث التي رتَّبها في كتابه وَفْقَ الترتيب الهجائي المعروف، فيتضح في الجوانب التالية:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير