تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد ينثر صاحب"النهاية"في مادة الغريب التي عقدها قواعد كلية يحصر من خلالها مفردات مسألة معينة، أو يسعى في تأصيلها وبيان حدودها، شأنه في ذلك شأن المعياريِّ الخبير بطبيعة المفردات التي يتعرض لها. ففي حديث (): "فهذا أوان قطعتْ أَبْهَري"، ينقل "أنَّ الأَبْهرَ عرقٌ منشؤه من الرأس ويمتد إلى القدم، وله شرايينُ تتصل بأكثرِ الأطراف والبدن، فالذي في الرأس منه يسمَّى النَّأْمة، ويمتد إلى الحلق فيسمّى فيه الوريد، ويمتد إلى الصدر فيسمّى الأبهر، ويمتد إلى الظهر فيسمَّى الوَتين، ويمتد إلى الفخذ فيسمَّى النَّسَا، ويمتد إلى الساق فيسمَّى الصافِنَ".

وفي حديث () عمرو بن معد يكرب:"وأشربُ التِّبْنَ من الَّلبَن"، يقول: "التِّبْن أعظم الأقداح، يكاد يُرْوي العشرين، ثم الصحن يُرْوي العشرة، ثم العُسّ يُروي الثلاثة والأربعة، ثم القَدَح يُرْوي الرجلين، ثم القَعْب يُرْوي الرجل".

وفي حديث (): "وأطعموا مُلْفَجيكم" يقول: "المُلْفَجُ بفتح الفاء: الفقير، يقال: ألفج الرجل فهو مُلْفَج، على غير قياس، ولم يجئ إلا في ثلاثة أحرف: أسهب فهو مُسْهَب، وأحصن فهو مُحْصَن، وألفج فهو مُلْفَج، الفاعل والمفعول سواء".

ويقول ابن الأثير في موضع آخر (): "تكرر ذِكْرُ الوعد والوعيد، فالوعدُ يستعمل في الخير والشر، يقال: وعدتُه خيراً، ووعدتُه شَرَّاً، فإذا أسقطوا الخير والشر قالوا في الخير: الوعد والعِدَة، وفي الشر: الإيعاد والوعيد".

ويُعنى أصحاب المعاجم عادة بجموع المفردات وضوابطها وأنواعها، وما هو سماعي وقياسي منها، وكثيراً ما كان صاحب"النهاية" في تأصيله لِلَّفْظ الغريب يذكر أوجه جمعه ويضبطها. ففي حديث عائشة () - رضي الله عنها-: "اغتسلي من ثلاثة أبْؤُر"، يقول: "أبْؤُر جمع قلة للبئر، وتُجمع على: آبار وبِئار".

ويقول في حديث مجاهد (): "ليس في الخَضْرَوات صدقة": "وقياس ما كان على هذا الوزن من الصفات؛ ألا يُجْمَعَ هذا الجمع، وإنما يجمع به ما كان اسماً لا صفةً نحو: صحراء وخُنفُساء، وإنما جَمَعه هذا الجمعَ لأنه قد صار اسماً لهذه البقول لا صفةً، تقول العرب لهذه البقول: الخضراء، لا تريدُ لونَها".

وقد يكون اللفظ الغريب الذي عَقَدَ له المادة مُعرَّباً فينص على ذلك، ففي الحديث (): "من لعب بالأَسْبَرَنج والنرد فقد غمس يده في دم خنزير". يقول: "هو اسم الفَرَس الذي في الشطرنج، واللفظة فارسية مُعَرَّبة".

وفي الحديث (): "ولا أَحْبِس البُرْدَ". يقول: "أي لا أَحْبس الرسُل الواردِين عليَّ، والبريد كلمة فارسية يُراد بها البغل، وأصلها بريده دم، أي: محذوف الذَّنَب لأنَّ بِغال البريد كانت محذوفة الأذناب كالعلامة لها، فأُعْرِبَتْ وخُففت".

وشغلت مسائل التذكير والتأنيث بال اللغويين، وكان لهم في ذلك مصنفات ودراسات غزيرة، منها مؤلفات تخصصت في هذا الجانب، ومنها ما هو مبثوث في معاجمهم. ويشارك ابن الأثير في كثير من مسائل التذكير والتأنيث، ولا سيَّما ما يتعلق بمادة الغريب الذي عقد له المادة، فقد أورد من شعر العباس يمدح النبي صلى الله عليه وسلم:

وأنتَ لمَّا وُلِدْتَ أشرَقَتِ الْ أرضُ وضاءَتْ بنورِكَ الأُفُقُ

يقول (): "أنَّث الأفق ذهاباً إلى الناحية".

وفي قصة حنين (): "كإمرار الحديد على الطَّسْت الجديد". يقول: "وصف الطَّسْت وهي مؤنثة بالجديد وهو مذكَّر: إمَّا لأنَّ تأنيثها غير حقيقي، فأوَّله على الإناء والظرف، أو لأنَّ فَعِيلاً يوصف به المؤنث بلا علامة تأنيث نحوُ: امرأة قتيل، وكفٌّ خَضيب".

ويشير إلى الحديث (): "بادروا بالأعمال ستاً". يقول: "في تأنيث الست إشارة إلى أنها مصائبُ ودواهٍ".

كما يشير إلى حديث () أمِّ زَرْع: "بَرُود الظلِّ". أي: طيِّب العِشْرة ويقول: "وفَعول يستوي فيه الذكر والأنثى".

ومن أوجه عنايته بشرحه لمادة الغريب التي عقد لها المادة، أنه قد يمرُّ بعَلَمٍ من أعلام الأمكنة، فيُعنى بضبطه وتحديد موقعه، ففي الحديث (): "اغِرْ على أُبْنى صباحاً". يقول: "هي بضم الهمزة والقصر، اسم موضع من فلسطين، بين عَسْقَلان والرَّملَة، يُقال لها"يُبْنى"بالياء".

وورد في الحديث (): "الأبْواء". يقول: "هو بفتح الهمزة وسكون الباء والمد. جبل بين مكة والمدينة، وعنده بلد ينسب إليه".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير