ويُعَرِّف بـ"أَبْيَن"فيقول (): "بوزن أحمر، قرية على جانب البحر ناحية اليمن. وقيل: هو اسم مدينة عَدَن".
وورد"بَرْثان"فيقول (): "بفتح الباء وسكون الراء، وادٍ في طريق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى بدر، وقيل في ضبطه غير ذلك".
وقد يكون بيان معنى الحديث الغريب في حاجة إلى تقدير محذوف، فيُعنى بتعيينه ليتمَّ المعنى في ذهن من يراجع"نهايته". ففي الحديث (): "كان يأمرنا أن نصوم الأيام البيض". يقول: "هذا على حذف المضاف، يريد أيام الليالي البيض، وهي الثالثَ عشرَ والرابعَ عشرَ والخامس عشرَ".
وفي الحديث (): "قالت: أجَنَّك من أصحاب محمد تقول هذا؟ ". قال: "تريد من أجل أنَّك، فحذفت "من" واللام والهمزة، وحُرِّكت الجيم بالفتح والكسر، والفتح أكثر. وللعرب في الحذف باب واسع".
وفي حديث عائشة () - رضي الله عنها -: "تزوَّجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بيتٍ قيمته خمسون درهماً". قال: "أي متاع بيت، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مُقامه".
وقد يُعنى ابن الأثير بإيراد نظائر لِلَّفْظة الواردة في غريب الباب، وشأنُ مُصَنَّفه شأنُ بعض المصنفات في فقه اللغة، التي تخصصت بهذا الجانب. وما كتاب الثعالبي: "فقه اللغة" عنَّا ببعيد، إذ حشد لكل معنىً من المعاني الواردة على ألسنة الكتَّاب، نظائر ومتشابهات، تُعين المتأدب في رسائله، وتعبيره عن مقصوده.
ومن ذلك قوله في حديث (): "من لم يُجْمِع الصيام من الليل فلا صيامَ له". "أجْمَعْتُ الرأي، وأَزْمَعْتُه، وعزمتُ عليه بمعنىً".
وفي حديث (): "جمّ الغفير"يقول: "يقال: جاء القوم جمَّاً غفيراً، جُعلت الكلمتان في موضع الشمول والإحاطة، وهو منصوب على المصدر كـ: طُرَّاً وقاطبة".
وفي حديث (): "الأرواح جنود مُجَنَّدة". يقول: "مجنَّدة أي: مجموعة كما يقال: ألوف مؤلَّفة، وقناطير مقنطرة".
ويقول في حديث سطيح (): "فإنَّ ذا الدهر أطوار دهارير"، قال الجوهري (): يقال: "دهرٌ دهارِير، أي: شديد، كقولهم: ليلة ليلاء، ويوم أَيْوَم".
وتعاملَ ابنُ الأثير مع طرف من لحن العامَّة، إن اتصلت مسائله بمادة الغريب، التي يَعْرِضُ لها، وشارك في جهودِ كثيرٍ من اللغويين في هذا الباب، فقد يمرُّ بلفظٍ أو تركيبٍ أو استعمالٍ أو دلالةٍ، فيشير إلى اللحن الشائع في صياغتها. فقد أورد الحديث (): "فَضْلُ عائشة على النساء، كفضل الثَّريد على سائر الطعام"أي: باقيه، ويقول: "والناس يستعملونه في معنى الجميع، وليس بصحيح، وقد تكررت هذه اللفظة في الحديث، وكلها بمعنى باقي الشيء".
وفي حديث عثمان (): "وأنا أشرب ماء المِلْح". يقول: "ماء مِلْح إذا كان شديد الملوحة، ولا يقال: مالح، إلا على لغةٍ ليست بعالية".
وكان صاحب"النهاية"- وهو الخبير بمفردات اللغة واشتقاقاتها وأوزانها- يتذوَّق الكلمة، ويلمح ما تحمله من سعة في دلالاتها، وامتداد في تأثيرها، فيحكم على هذا الوزن - أو هذه اللفظة - بأنه أبلغُ من قَسيمه.
يقول في أسماء الله تعالى الرحمن الرحيم (): "وهما من أبنية المبالغة، ورحمن أبلغ من رحيم، والرحمن خاصٌّ لله لايُسَمَّى به غيره، ولا يُوصف، والرحيم يوصف به غيرُ الله تعالى، فيُقال: رجل رحيم، ولا يُقال: رحمن".
وقد يلحظ صاحب"النهاية"أنَّ اللفظ الغريب الذي يتحدث عنه ينتمي إلى أسرة لغوية عُرِفَتْ في مصنفات اللغويين بالأضداد، فيشير إليها، ويحيط بدلالتها، ومن ذلك حديث (): "كان يبدو إلى هذه التِّلاع"، فيقول: "التِّلاع: مسايل الماء من عُلْوٍ إلى سُفْل، واحدها تَلْعَة. وقيل: هو من الأضداد يقع على ما انحدر من الماء وأشرف منها".
وفي حديث ابن مسعود (): "كنَّا عند النبي - صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة فَأَكْرَيْنَا في الحديث". أي: أَطَلْنَاه، يقول: "وأكرى من الأضداد، يقال: إذا طال وقَصُرَ، وزادَ ونقص".
****************
2 ـ جانب البيان المعنوي للغريب
تتضح خدمة ابن الأثير للغريب من جانب المعنى في المظاهر التالية:
¥