تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن شواهدِ المسائل النحوية في"النهاية"قوله في الحديث () "فهذا أوانُ قَطَعَتْ أَبْهَري": "يجوز في"أوان"الضمُّ والفتح، فالضمُّ لأنه خبر المبتدأ، والفتحُ على البناء، لإضافته إلى مبني كقوله:

على حينَ عاتبتُ المشيبَ على الصِّبا وقلتُ ألمَّا تَصْحُ والشيبُ وازعُ

وفي حديث عطاء (): "كان معاوية إذا رفع رأسه من السجدة الأخيرة كانت إياها". يقول: "اسم كان ضمير السجدة، و"إياها"الخبر، أي كانت هي هي، و"إيا"اسم مبني وهو ضمير المنصوب، والضمائر التي تضاف إليها من الهاء والكاف والياء لا موضعَ لها من الإعراب في القول القوي، وقد تكون"إيَّا"بمعنى التحذير".

وفي حديث زيد بن أرقم (): أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- خطبهم فقال: "أما بعدُ". يقول: "وتقدير الكلام فيها: أمَّا بعدَ حَمْدِ الله تعالى فكذا وكذا، و"بعد"من ظروفِ المكانِ التي بابُها الإضافة، فإذا قُطِعت عنها وحُذِفَ المضاف إليه بُنِيَتْ على الضم كـ قَبْل".

وأورد الحديث (): أنَّه عليه الصلاة السلام، كان يُرَقِّصُ الحسن والحسين ويقول:

حُزُقَّةٌ حُزُقَّهْ تَرَقَّ عينَ بَقَّهْ

فقال: و"حُزُقَّةٌ"مرفوعٌ على خبر مبتدأ محذوف تقديره: أنت حُزُقَّةٌ، و"حُزُقَّة"الثاني كذلك، أو أنه خبر مكرر، ومن لم ينوّن"حُزُقَّة"أراد: يا حُزُقَّة، فحذف حرفَ النداء، وهو من الشذوذ، كقولهم: أطرِقْ كرا؛ لأنَّ حرف النداء إنما يحذف من العَلَم المضموم أو المضاف".

وذكر حديث لقيط () "لَعَمْرُ إلهكِ"فقال: "وهو رفعٌ بالابتداءِ، والخبر محذوفٌ تقديره: لَعَمْرُ الله قسمي، واللام للتوكيد، فإن لم تأت باللام نصَبْتَه نَصْبَ المصادرِ، أي بإقرارِك لله وتعميرك له بالبقاء".

ويتعامل ابن الأثير مع المسائل الصرفية تعاملَ الخبير بأغوارها العارف بأوزانها وجذورها، وما يلحقها من إعلال وإبدال وحذف. ففي الحديث (): "فأدخلتُها الدَّوْلَجَ". يقول: "أصله وَوْلَج لأنه فَوْعَلٌ، من وَلَجَ يَلِجُ إذا دخل، فأبدلوا من الواو تاء فقالوا: تَوْلَج، ثم أبدلوا من التاء دالاً فقالوا: دَوْلج، والواو فيه زائدة".

وفي الحديث (): "فادَّخَروا" يقول ابن الأثير: "وأصل الادِّخار اذْتِخار وهو افتعال من الذُّخْر، فلما أرادوا أن يُدْغموا ليخفَّ النطق قلبوا التاء إلى ما يقاربُها من الحروف، وهو الدال المهملة لأنهما من مَخْرَج واحد، فصارت اللفظة مُذْدَخِرٌ، بذال ودال، ولهم حينئذٍ مذهبان أحدهما: وهو الأكثر أن تُقْلَبَ الذال دالاً، وتُدْغم فيها، فتصير دالاً مشددة. والثاني: وهو الأقل أن تُقْلَبَ الدال المهملة ذالاً، وتُدْغَم فتصير ذالاً مشددة".

ويتعرض صاحب"النهاية"للفظة"الأَشاء" () الواردة في الحديث، فيقول: "الأشاء صغار النخل، الواحدة أَشاءة، وهمزتُها منقلبةٌ من الياء؛ لأنَّ تصغيرَها أُشَيٌّ، ولو كانت أصلية لقيل أُشَيْء".

ويذكر لفظة"يتخذ" () ويقول: "هو افتعل من"تَخِذَ"، فأدغم إحدى التاءين في الأخرى، وليس من"أخذ"في شيءٍ، فإنَّ الافتعال من أخذ ائتخذ؛ لأنّ فاءه همزةٌ، والهمزةُ لا تُدْغم في التاء". وقال الجوهري (): "الاتخاذ افتعال من الأخذ، إلا أنه أدغم بعد تليين الهمزة وإبدالِ التاء، ثم لمَّا كَثُر استعماله بلفظ الافتعال توهَّموا أنَّ التاء أصلية فبنَوا منه فَعِل يَفْعَلُ، قالوا: تَخِذَ يَتْخَذُ"، وأهل العربية على خلاف ما قال الجوهري.

وأمَّا جانب الأدوات فلابن الأثير باع طويل فيه، حيث وصل في خدمته للحديث الشريف إلى دقيق المسائل، وأجلى كثيراً من الغوامض والمبهمات، وكان تحليلُه للأدواتِ الواردةِ في الحديث، يُنْبئ عن فقه لغوي سديد في العربية. ففي حديث الحج (): إنكم على إرثٍ من إرثِ أبيكم إبراهيم يقول: " (مِنْ) هنا للتبيين، مثلُها في قوله تعالى: ? ? ? ? ? ? [الحج الآية: 30].

وأورد حديث أنس (): "أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم- آلى من نسائه شهراً". أي: حَلَفَ لا يدخل عليهن. ويقول: "وإنَّما عدَّاه بـ"من"حَمْلاً على المعنى، وهو الامتناعُ من الدخول، وهو يتعدَّى بـ من".

ويردُّ () على الجوهري () الذي يقول: "ولا يُقال بنى بأهله". ويرى ابن الأثير أنَّ هذا الحكم فيه نظر، ويستشهد على تعدِّيه بالباء بالحديث: "في مبتنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزينب".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير