تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المبحث الرابع: أهمية النهاية

يتبوأ كتاب"النهاية في غريب الحديث والأثر"مكانة علية في تاريخ حركة التأليف في هذا العلم، وسوف نجمل الآن معالم هذه الأهمية في الفقرات التالية:

1 ـ تبيّن لنا في وصف حركة التأليف في غريب الحديث، قبل ابن الأثير، سعة هذا التراث الذي صُنِّف حول مادة غريب الحديث، ومن هنا كان أمام"ابن الأثير"عندما عزم على الخوض في هذا المجال عشرات المصنفات التي أفاد منها، وقدَّم في"النهاية"جانباً من وصفها، وكان طائفة منها قد ضاع ولم يصل إلينا شيءٌ منه، ومن هنا حفظ لنا كتاب"النهاية"قَدْراً واسعاً من أقوال علماء اللغة والغريب حول أحاديث الباب، وجمع كثيراً من الأقوال والآراء التي قيلت في تأصيل مادة غريبها، سواء فيما يتعلق بخدمة الجانب اللفظي من الحديث، وما يتضمن من ثروة لغوية كمعرفة لغات القبائل، وتمييز الفصيح منها من غير الفصيح، وضروب من المشتقات والأوزان والنوادر، والتعريف بالأماكن، وسرد الشواهد النادرة، أو خدمة الجانب المعنوي في دلالات الحديث ومقاصده، إذ إن"ابن الأثير"حرص على ألا يكتفيَ بقول راجح في معاني ألفاظه ومقاصده، وإنما عرض صفوة الأقوال، فمن خلال"النهاية في غريب الحديث والأثر"يستطيع المُراجِع أن يقف على مجمل الثروة اللفظية والمعنوية التي تناولَتْ أحاديث الباب، سواء منها ما وصلَنا من مصنفات مثل كتاب ابن قتيبة، وأبي عبيد، والمديني، والزمخشري، أو ضاعت أصوله، فحفظ لنا كتاب: "ابن الأثير"طائفة منها، من مثل كتاب"غريب الحديث"للحربي () و"غريب الحديث"لـ شمربن حمدويه، كما حفظ لنا كثيراً من أقوال اللغويين، الذين لم تصلنا مصنفاتهم كـ: نفطويه، والأصمعي، والسجستاني، وثعلب، والزجَّاج.

ومن خلال"النهاية"يستفيد أهل الحديث من الوقوف على هذه الروايات المتعددة التي كان ابن الأثير يحرص على سردها للحديث الواحد وبيان مقاصدها.

2 ـ حرص ابن الأثير على نسبة طائفة من الأقوال إلى أصحابها، والروايات إلى مصنفاتها، ويفسح ذلك أمام الباحثين العودة إلى أصول هذه الأقوال والروايات في مظانها المطبوعة أو المخطوطة لمتابعة بحوثهم وأحكامهم حولها، فبعض الأقوال تجده في بعض المعاجم والمصنفات، غير مَعْزُوّ إلى أحد، في حين أنّ صاحب"النهاية"يعزوه إلى صاحبه أو مصنفه. ومن هنا فإنَّ كتاب"النهاية"مصدر اعتمده كثير من الباحثين الذين يدرسون مناهج التأليف في علوم الحديث واللغة، ويتتبعون مذاهب أصحابها؛ لأنَّه عزا كثيراً من النصوص إلى قائليها.

3 ـ كتاب النهاية مصدر ثرّ لأقوال الصحابة والتابعين، إضافة إلى الأحاديث الشريفة المرفوعة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فمن خلاله يستوعب الدارسون أقوال طائفة كبيرة من أعلام السلف، الذين نثرَ ابنُ الأثير أقوالهم في كتابه من مثل: النخعي، وقتادة، والزهري، وسفيان، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وغيرهم. فنقرأ جوانب من فقههم وآدابهم وعزائمهم في عبادتهم، وورعهم في معاملاتهم مع الناس، وأساليب معيشتهم مع أُسَرهم وأفراد المجتمع من حولهم.

ومجموع هذه الأقوال - بعد تطبيق قواعد الجرح والتعديل عليها، وما يتبعها من الصناعة الحديثية - يعطي صورة عن حياة طائفة من السلف في القرنين الأول والثاني.

4 ـ تميز ابن الأثير كما مرَّ بنا في فقرة منهجه باختيار أيسر الطرق المنهجية في ترتيب المادة اللغوية. ومن هنا تأتي أهميته في سهولة إيراد مادة الغريب، على الرغم من القدر الكبير من الأحاديث والآثار التي استوعبها؛ وذلك لأنَّ الترتيب الهجائي للمادة ييسِّر الوصول إليها. وقد أضيف إلى ذلك أنّه عمد إلى توزيع مادة الغريب في نصوص الحديث حسب حروفها الهجائية، فلا يكلف المُراجِع رَهقاً من أمره في الوقوف على الغريب المتعدد الوارد في حديث ما، ويجعله يقف على معاني أي لفظة غريبة وَرَدَتْ في أي حديث أو أثر يورده.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير