تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مثال ذلك: أن السبب الباعث على شرع العقوبة على ذنب هو الذنب فإذا شرعت العقوبة على وجهين ـ مثلاً ـ فإنما ذلك لاختلاف حال ذلك الذنب، فمن ذلك الزنا شرع الحدُ عليه على وجهين:

الأول: الجلد.

الثاني: الرجم.

ولا يخفى أن الجلد أخف من الرجم، وأن حقه أن يكون الرجم عقوبة لمن يكون زناه جرماً أغلظ من زنا من عقوبته الجلد، ولكن الغلظ والخفة في الإجرام بالزنا لا ينضبط؛ لأن شديد الشهوة أقرب إلى العذر من ضعيفها، وشدتها وضعفها أمر خفي وغير منضبط، والعاشق أقرب إلى العذر من المتصدي لها، و العاجز عن التزوج بالمرأة أقرب إلى العذر من القادر على زواجها، في أمور أخر.

فلذلك علق الشارع الفرق بالإحصان وعدمه؛ لأن الغالب أن يكون المحصن أضعف عذراً من غيره، على أنه قد يتفق خلاف ذلك، فقد يكون شاب فقير قوي البنية شديد الشهوة عاشقاً لإمرأة عاجزاً عن التزوج بها، وهو يحبس نفسه عن التعرض لها، والقرب من مكانها، ثم حاول أن يدافع داعيته فتزوج امرأة فقيرة فبات معها ليلة فهلكت، ثم لم يستطع الزواج بغيرها، ولم تزل نفسه متعلقة بمعشوقته، فبينا هو ليلة في خلوة لم يفجأه إلا دخولُ معشوقته عليه، ورميها نفسها بين ذراعيه، فلم يتمالك أن كان ما كان.

وآخر غنيٌ ضعيف البنية، ضعيف الشهوة، لم يتزوج حتى شاخ وضعف، فتعرض مرة لامرأة لو شاء لتزوجها، ولكنه لم يلتفت إلى ذلك، بل تبعها ووقع عليها، فظاهرٌ أن ذنب هذا الشيخ ا لذي لم يحصن أغلظ من ذنب ذلك الشاب الذي قد أحصن بدرجات، ولكن مع ذلك حد الشاب المحصن الرجم، وحد الشيخ الذي لم يحصن الجلد.

إلا أننا نقول: إن الحكمة اقتضت في القانون الكلي أن يناط الفرق بالإحصان وعدمه، والله سبحانه وتعالى هو الرقيب على عباده يطبق العدل بقضائه وقدره، كأن يستر ذلك الشاب، ويفضح هذا الشيخ، أو غير ذلك، فإنه سبحانه بكل شيء خبير، وعلى كل شيء قدير.

ومن ذلك: القاتل إذا تعمد الضرب قد تكون عقوبته الدية، وقد تكون القتل قوداً، والمعقول أن جرمه إنما يختلف بأن يكون قصد القتل أو لم يقصده، ولكن قصده القتل أمرٌ خفي لا يعلم كما ينبغي إلا بقوله، و القاتل غالباً يدفع عن نفسه القتل، فهو ـ وإن قصد القتل ـ حريٌ بأن يقول لم أقصده، ولا قرائن عامتها تشتبه فناط الشارع الفرق بأقوى القرائن، وهي الآلة، وموضع الضرب بها، فإن كان الضرب في ذلك المكان قبل تلك الآلة من شأنه أن يقتل حكم بالقود؛ إذ الغالب أن القاتل قصد القتل، وإلا فلا، وكأنه ـ والله أعلم ـ بناءً على هذا ذهب مالك رحمه الله إلى أن الوالد إذا قتل ولده قتلة شنيعة ـ كأن أضجعه فذبحه ـ وجب القصاص، وإلا فلا، كأنه بنى دفع القصاص عن الوالد بأن الغالب أنه لا يقصد القتل، فلم يوجب القصاص عليه إلا في الحال التي يمتنع فيها أن يكون لم يقصد القتل.

هذا وقد يتفق في من حقه ـ بحكم الشرع ـ أن يُقاد منه أن لا يكون قصد القتل، وفي من حقه أن لا يقاد منها أنه قصد القتل، فمثل هذا يُطبق الله سبحانه وتعالى العدل فيه بقضائه وقدره.

إذا تقرر هذا فمظنته أن لا يكذب المخبر في خبر عن الشرع مما لا ينضبط، فضبطه الشارع بالإسلام والعدالة، وقد يتفق في المسلم العدل أن يكذب خطأً أو عمداً، وفي غيره أن يصدق، ولكن الله تبارك وتعالى يطبق العدل بقضائه وقدره، فيهدي أهل العلم إلى معرفة خطأ ذلك أو عمده، ويغنيهم عن خبر الكافر أو الفاسق بأن ييسر لهم علمه من غير طريقه.

فإن قيل: قد لا يهتدي بعضهم إلى الخطأ وقد لا يقف بعضهم على الطريق.

قلت: إن قصر فهو الموقع نفسه في ذلك، وإن لم يقصر فذلك داخل في تدبير الله عز وجل وتطبيقه العدل، و الحكم بقضائه وقدره، والبحث طويل، وفي هذا كفاية.

الباب الثاني: في البلوغ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير