ـ[عبدالرحمن الفقيه.]ــــــــ[05 - 07 - 04, 03:16 م]ـ
فصل ـ 2
التابعون
التابعي: من أدرك بعض الصحابة، ورأى بعضهم، وسمع منه سماعاً يُعتد به، بأن يكون السامع مميزاً، وقيل بل تكفي الرواية مع التمييز.
والذي يظهر في حديث " خير الناس قرني ثم الذين يلونهم" أن الدخول في الذين يلونهم يشترط فيه زيادة على ما تقدم، قال ابن الأثير في النهاية عن أبي عبيد الهروي " فيه خيركم قرني ثم الذين يلونهم يعني الصحابة ثم التابعون، و القرن أهل كل زمان، وهو مقدار التوسط في أعمار أهل كل زمان، مأخوذ من الاقتران، وكأنه المقدار الذي يقترن فيه أهل ذلك الزمان في أعمارهم، وأحوالهم، وقيل القرن: أربعون سنة، وقيل: ثمانون: وقيل: مائة ".
أقول: والقول الثاني كأنه ضابط تقريبي للأول.
هذا والقرون تتداخل ـ أعني أن القرن الأول إذا أخذ في النقصان أخذ الذي يليه في الزيادة، وهكذا ـ فقد يقال: إن قرنه صلى الله عليه وسلم بقي على الغلبة إلى تمام ثلاثين سنة من الهجرة، ثم أخذ في الضعف، وذلك حين بدأ الناس في الإنكار على أمراء عثمان، وأخذ القرنان يصطرعان، فكان بعد خمس سنين قبل عثمان، وذلك مصداق حديث البراء بن ناجية عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:" تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين، فإن يهلكوا فسبيل من هلك وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاماً، قال: فقلت مما بقى أو مما مضى؟ قال:مما مضى ".
وفي بعض الروايات " مما بقى".
وروى شريك عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن ابن مسعود مرفوعاً " إن رحى الإسلام ستزول بعد خمس وثلاثين، فإن اصطلحوا فيما بينهم على غير قتال يأكلوا الدنيا سبعين عاماً رغداً، وإن يقتتلوا يركبوا سنن من قبلهم".
فكان لخمس وثلاثين حصر عثمان، ولم يقم الدين كما ينبغي، إذ لم يصطلحوا على غير قتال، بل كان هلاك بالقتل والفرقة والفتنة، فكان سبيلهم سبيل الأمم الماضية من الاختلاف، ثم تمت الغلبة للقرن الثاني بعد سنوات بقتل أمير المؤمنين علي عليه السلام، ثم بتسليم ابنه الحسن الخلافة لمعاوية، وذلك مصداق حديث سفينة مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" الخلافة ثلاثون عاماً ثم يكون بعد ذلك الملك".
أقول: فتمت الغلبة للقرن الثاني نحو أربعين سنة من الهجرة، فثلاثون سنة فيها كانت للقرن الأول، وعشر بينه وبين الثاني، ثم تمت للقرن الثاني ثلاثون سنة لستين من الهجرة، فكانت ولاية يزيد، ثم قتل الحسين بن علي عليه السلام، وقد صح عن أبي هريرة أنه كان يتعوذ من عام الستين وإمارة الصبيان فمات قبلها.
ثم كانت وقعة الحرة، وإحراق الكعبة، ثم كان بعد السبعين رمي الكعبة بالمجانيق، وقتل ابن الزبير، واستتباب الأمر لعبد الملك.
وعلى هذا المنوال يكون انتهاء القرن الثاني سنة سبعين، وانتهاء الثالث على رأس المائة.
ومن أسباب الفضل للثاني أنه لم يزل فيهما بقايا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومنتهى ذلك بعد انتهاء المائة بقليل مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم قبيل موته:" أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة [منها] لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد ".
هذا والظاهر أنه يدخل في القرن الأول من أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يجتمع به، وكذلك من أسلم بعده بقليل، وكذا من ولد بعده بقليل، بحيث يكون منشؤه في عهد كثرة الصحابة وظهورهم، فإنه يقتدي بهم، ويقتبس من أخلاقهم وآدابهم حتى يستحكم خلقه على ذلك. ولا مانع من أن يكون هؤلاء في القرن الأول وإن لم يكونوا صحابة.
وعلى هذا فالدرجات تتفاوت: فمن ولد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقرب إلى نيل خصائص القرن الأول ممن ولد بعده بخمس سنوات ـ مثلاً ـ وهكذا، حتى إن من ولد بعده صلى الله عليه وآله وسلم بخمس عشرة سنة أقرب إلى القرن الثاني، وقد يكون بعض من يولد متأخراً أمكن في خصائص القرن الأول ممن ولد متقدماً لأسباب أخرى، ككثرة مجالسة أفاضل الصحابة وقس على هذا.
¥