قال تعالى: ? والصاحب بالجنب? [النساء:36] وهو المرافق في السفر، ولا شك أنه يدخل في هذه الآية الملازم وغيره ولو صحب الإنسان رجلاً ساعة من نهار وسايره في بعض الأسفار لدخل في ذلك، لأنه يصدُق عليه أن يقول: صحبت فلاناً في سفري ساعة من النهار، ولأن من قال ذلك لم يردّ عليه أهل اللغة ويستهجنوا بكلامه.
وأما السنة فكثير غير قليل ومن أوضحها ما ورد في الحديث الصحيح من قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها: " إنكن صواحب يوسف" فانظر أيها المنصف ما أبعد هذا السبب الذي سُمّيت به النساء صواحب يوسف وكيف يستنكر من آمن برسول الله ووصل إليه وتشّرف برؤية غرّته الكريمة صاحباً له، ومن أنكر على من سمّى هذا صاحباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلينكر على رسول الله حيث سمّى النساء كُلهُنَّ صواحب يوسف.
ومن ذلك الحديث الذي أُشير فيه على النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتل عبد الله بن أُبيّ رأس المنافقين فقال عليه الصلاة والسلام: " إني أكره أن يُقال أن محمداً يقتل أصحابه" فَسُمِّى صاحباً مع العلم بالنفاق للملابسة الظاهرة مع العلم بكفره الذي يقتضي العداوة ويمحو اسم الصحبة في الحقيقة العرفية.
ومما يدل على التوسع الكثير في اسم الصحبة إطلاقها بين العقلاء وبين الجمادات كقوله تعالى: ? يا صاحبي السجن? [يوسف: 39] ومثل تسمية ابن مسعود صاحب السواد، وصاحب النعلين والوسادة.
وأما الإجماع فلا خلاف بين الناس أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لاقى المسلمين في الحرب فقُتِل من عسكر النبي جماعة ومن المشركين جماعة أن يُقال: قُتِل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، ومن المشركين كذا وكذا، وبذا جرى عمل المؤرخين والإخباريين يقولون في أيام صفين: قُتِل من أصحاب علي كذا ومن أصحاب معاوية كذا، ولا يعنون بأصحاب علي من لازمه وأطال صحبته بل من قاتل معه شهراً أو يوماً أو ساعة، وهذا شيء ظاهر لا يستحق بمن قال مثله الإنكار (11).
ومن ذلك أصحاب الشافعي وأصحاب أبي حنيفة .. يقال هذا لمن لم ير الشافعي ولا يصحبه قليلاً ولا كثيراً لملابسة ملازمة المذهب، ولو دخل في مذهب الشافعي في وقت لقيل له في ذلك الوقت قد صار من أصحابه من غير إطالة ولا ملازمة بالقول بمذهبه، وكذا تسميته عليه السلام صاحب الشفاعة قبل أن يشفع هذه ملابسة بعيدة، وكذا أصحاب الجنة قبل دخولها وأمثال ذلك، وكذلك سائر هذه الأشياء مما أجمع على صحبته، كل هذا دليل على أن اسم الصحبة يطلق كثيراً مع أدنى ملابسة والأمر في هذا واسع. اهـ.
نقلت هذه النصوص على طولها لأن فيها رداً واضحاً على من اشترط في الصحبة طول الملازمة.
فتبين مما تقدم أن كثيراً من أهل الأصول يذهب إلى قول الجمهور في الصحابة ولذلك قال العراقي في التقييد والإيضاح ص 256 متعقباً قول أبي المظفر السمعاني أن طريقة الأصوليين يشترطون في الصحابي طول الصحبة وكثرة المجالسة قال: إن ما حكاه عن الأصوليين هو قول بعض أئمتهم والذي حكاه الآمدي عن أكثر أصحابنا أن الصحابي من رآه وقال: إنه الأشبه واختاره ابن الحاجب. اهـ. ثم ذكر بعض من يذهب إلى قول الأصوليين.
وينظر أيضاً الواضح في أصول الفقه لابن عقيل 5/ 59 - 64 والروضة لابن قدامة ص 119 وشرح مختصر الروضة للطوفي 2/ 185 - 187. وإرشاد الفحول ص 70 ومذكرة الأصول للشنقيطي ص 124، 125.
وقال بعضهم: إن الممدوح من الصحابة هو من كان من أهل الجهاد والإنفاق دون غيره.
فأقول: هذا قول مخترع وقد قال الله تعالى: ? لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى? [النساء: 95]. فهذه الآية الكريمة فيها إبطال لهذا القول وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل جبل أحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه".
ولذلك قال ابن عمر: لا تسبوا أصحاب محمد، فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره (12).
وأما ما رواه (13) محمد بن سعد عن علي بن محمد عن شعبة عن موسى السنبلاني: أتيت أنس بن مالك فقلت: إنك آخر من بقى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: قد بقى قوم من الأعراب فأما من أصحابه فأنا آخر من بقي.
¥