حاصل النظرية التي بني عليها نظام الكتاب وترتيبه يقوم على قضية واحدة مسلمة هي أنه لا بد لكي يكون الحديث مقبولاً أن نعلم أن راويه أداه كما سمعه، وهذا لا يتحقق إلا إذا استوفى الراوي الشروط الكافية لذلك، فكان لا بد أولاً من بحث العلوم المتعلقة بالرواة، وتنقسم إلى قسمين:
1. العلوم المعرفة بحال الراوي: وهي علوم تبحث في الراوي من حيث قبول خبره أو رده، وتضم العلوم التالية:
صفة من تقبل روايته ومن ترد
الجرح والتعديل
الصحابة
الثقات والضعفاء
من اختلط في آخر عمره من الثقات
الوحدان
المدلسون
وقد توصل الدكتور بعد بسط هذه العلوم إلى النتائج التالية:
• إن المقياس الذي يعرف به الراوي المقبول من المردود مقياس موضوعي شامل، حيث لم يكتف فيه المحدثون بمجرد استقامة السلوك الديني، بل لاحظوا العوامل الداخلية، فنظروا إلى ما يخشى أن يدفع الراوي من انحياز فكري (بدعة) أو اجتماعي إلى عدم التحري في النقل، ودرسوا حاله النفسية من حيث الاعتدال والتحرز، أو الاستهتار والتساهل على ضوء ما أسموه بالمروءة، وراعوا أهليته العلمية والذهنية للأداء الصحيح في شروط الضبط، فجاء مقياسهم هذا موضوعياً لا يتحيز ولا يحيف، شاملاً كافة العوامل الدينية والنفسية والاجتماعية التي تدفع إلى الصدق وتنزه الراوي عن الكذب وتجعله قميناً بأداء الحديث كما هو، وبذا أصبح ميزاناً يعرف حقيقة الرواة بكل دقة وإنصاف وعدالة.
• إن المحدثين طبقوا هذا المقياس تطبيقاً دقيقاً تجلى في مراتب الجرح والتعديل وعباراتها التي تحدد منزلة الراوي من القبول أو الرد تحديداً دقيقاً يبين ما يحتج به من التعديل، وما يكتب حديثه وينظر فيه، وما يعتبر به من مراتب الضعف، ثم ما يترك ولا يلتفت إليه، يبينون بذلك واقع الراوي بياناً علمياً صادقاً.
• إن ثمار هذا التطبيق أُودعت في تصانيف متنوعة كثيرة، بيّن العلماء فيها حال كل راو من القبول أو الرد، وما فيه من اختلاف اجتهاد العلماء وتقديرهم. ويجد الباحث في تلك المصادر من المعارف الدقيقة ما يعد بحق آية البحث النقدي في الرواة وفن التاريخ، تجعل الناقد بصيراً بالحقائق الدقيقة في هذا الركن الهام من أصول البحث النقدي.
2. العلوم التي تبين شخص الراوي: وهي مجموعة من المعارف تحدد شخص الراوي وتبرز هويته كي يتميز عن غيره فيبحث بعد ذلك عن حاله ويحكم عليه جرحاً أو تعديلاً. والحاجة إلى تحديد شخص الراوي إما أن تكون من الناحية الزمنية، أو من ناحية الاسم وما يتصل به، فتنقسم هذه المعارف إلى قسمين:
? علوم الرواة التاريخية: وتشمل الأنواع التالية من علوم الحديث:
تواريخ الرواة
طبقات الرواة
التابعون
أتباع التابعين
الأخوة والأخوات
المدبج ورواية الأقران
الأكابر الرواة عن الأصاغر
السابق واللاحق
رواية الآباء عن الأبناء
رواية الأبناء عن الآباء
? علوم أسماء الرواة: وتشمل الأنواع التالية من علوم الحديث:
المبهمات
معرفة من ذكر بأسماء متعددة
الأسماء والكنى
الألقاب
المنسوبون إلى غير آبائهم
النسب التي على خلاف ظاهرها
الموالي من الرواة والعلماء
أوطان الرواة وبلدانهم
الأسماء المفردة والكنى والألقاب
المتفق والمفترق
المؤتلف والمختلف
المتشابه
المتشابه المقلوب
ومن الدراسة لهذه الأنواع توصل الدكتور عتر إلى النتيجة التالية: ألا وهي شمول أبحاث علوم الحديث لكل ما يتوصل به إلى معرفة الشخص وتحديده من جميع النواحي الزمانية والمكانية والاسمية.
ففي الناحية الزمنية: درس المحدثون موقع الراوي من الأجيال السابقة واللاحقة، ومن جيله الذي عاش فيه، وتعمقوا حتى عرفوا موقعه في الرواية من أسرته في فنون الإخوة والآباء والأبناء.
وفي الناحية المكانية: عنوا بأوطان الرواة وتنقلاتهم وتبينوا ما قد يطرأ على الراوي مما يؤثر في حديثه.
وفي أسماء الرواة: شملوا كل ما يتصل بها حيث عنوا بإزالة الإبهام وتعيين أسماء الرواة وآبائهم وكناهم وألقابهم وأنسابهم، وضبطوا ذلك بغاية الدقة، وبينوا ما هو على ظاهره من الأنساب وما ليس على ظاهره.
ثم قاموا بجهود عظيمة في مقابلة أسماء الرواة وكناهم وألقابهم وأنسابهم لتمييز ما يتشابه منها عن بعضه ودرسوها من جميع أوجه التشابه: من التماثل كتابة ونطقاً، أو كتابة لا نطقاً، أو ما يقع فيه الأمران طرداً أو عكساً.
وهكذا أتوا على كل أوجه البحث، وميزوا كل راو عما سواه تمييزاً بالغاً دقيقاً ليوضع تحت منظار الجرح والتعديل، وينزل في موضعه المناسب.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.
ـ[أم أحمد الحافظ]ــــــــ[21 - 03 - 06, 10:25 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أقول وبالله تعالى التوفيق:
ثم عقد الدكتور عتر باباً ل: علوم رواية الحديث: وهي العلوم التي تبحث في المنهج العلمي للرواية في أخذ الراوي للحديث الذي سماه العلماء التحمل، ثم في تبليغه الذي أطلقوا عليه الأداء، وما ينبغي أن يكون عليه حال التحمل والأداء من الأدب والإخلاص والتحري والإتقان. ويشتمل هذا الباب على خمسة أنواع من علوم الحديث هي:
1. آداب طالب الحديث
2. آداب المحدث
3. كيفية سماع الحديث وتحمله وضبطه
4. صفة رواية الحديث وشرط أدائه
5. كتابة الحديث وكيفية ضبطه
وبعد أن فصل القول في هذه الأبواب قال: "هذه أبحاث الرواية تجلو لمن يطالعها دقة نظر المحدثين من الرواة، حيث لم يكتفوا باتصاف الراوي بالعدالة والضبط، بل لاحظوا معهما كيفية تلقيه للحديث ثم كيفية أدائه وما يكون عليه حاله فيما بين التحمل والأداء من مراعاة علمه والمحافظة عليه، وإذا كان يعتمد على الكتاب أن يكون مصححاً مقابلاً وأن يحفظ كتابه من التحريف والتبديل أو طروء الفساد عليه ... كما أن قواعدهم في شروط الكتاب المقبول وما يرفدها من قواعد هذا الفن أرست أصول التحقيق العلمي للنصوص الخطية، فسبقوا بذلك أصول التحقيق المعاصرة، وضمنوا لنا أداء التراث الحديثي وتسجيله على غاية من السلامة والصحة."
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.
¥