تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لما أفادته الآية من الدعاء والاستغفار وهي قوله تعالى في سورة نوح: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا. . .} وهذا ما فعله عمر بن الخطاب حين استسقى وتوسل بدعاء العباس كما سبق بيانه وهكذا كانت عادة السلف الصالح كلما أصابهم القحط أن يصلوا ويدعوا ولم ينقل عن أحد منهم مطلقا أنه التجأ إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وطلب منه الدعاء للسقيا ولو كان ذلك مشروعا لفعلوه ولو مرة واحدة فإذا لم يفعلوه دل ذلك على عدم مشروعية ما جاء في القصة. الثالث: هب أن القصة صحيحة فلا حجة فيها لأن مدارها على رجل لم يسم فهو مجهول أيضا وتسميته بلالا في رواية سيف لا يساوي شيئا لأن سيفا هذا - وهو ابن عمر التميمي - متفق على ضعفه عند المتحدثين بل قال ابن حبان فيه: (يروي الموضوعات عن الأثبات وقالوا: إنه كان يضع الحديث). فمن كان هذا شأنه لا تقبل روايته ولا كرامة لا سيما عند المخالفة.

قلت: وبهذا يتبين عدم صحة القصة التي أراد الكاتب أن يستدل بها على صحة ما ذهب إليه، والحمد لله رب العالمين.

قلت: وذكر الكاتب أيضاً أثراً عن عائشة رضي الله عنها أن أهل المدينة لما قحطوا أشارت عليهم رضي الله عنها بأن يجعلوا من قبر النبي صلى الله عليه وسلم كوّا ــ أي فتحه ــ إلى السماء حتى لا يكون بينه و بينها سقف ففعلوا فمطروا حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتقت، فسمّي عام التفتق.

وإليك تحقيق الشيخ الألباني، قال رحمه الله تعالى: ــ (روى الدارمي في سننه: حدثنا أبو النعمان ثنا سعيد بن زيد ثنا بن عمرو بن مالك النكري حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال: قحط أهل المدينة قحطا شديدا فشكوا إلى عائشة فقالت: انظروا قبر النبي صلى الله عليه وسلم فاجعلوا منه كوى إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف قال: ففعلوا فمطرنا مطرا حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق). قلت: وهذا سند ضعيف لا تقوم به حجة لأمور ثلاثة: أولها: أن سعيد بن زيد وهو أخو حماد بن يزيد فيه ضعف. قال فيه الحافظ في (التقريب): صدوق له أوهام. وقال الذهبي في (الميزان): (قال يحيى بن سعيد: ضعيف وقال السعدي: ليس بحجة يضعفون حديثه وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي وقال أحمد: ليس به بأس كان يحيى بن سعيد لا يستمرئه). وثانيها: أنه موقوف على عائشة وليس بمرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولو صح لم تكن فيه حجة لأنه يحتمل أن يكون من قبيل الآراء الاجتهادية لبعض الصحابة مما يخطئون فيه ويصيبون ولسنا ملزمين بالعمل بها. وثالثها: أن أبا النعمان هذا هو محمد بن الفضل يعرف بعارم وهو وإن كان ثقة فقد اختلط في آخر عمره. وقد أورده الحافظ برهان الدين الحلبي في (الاغتباط بمن رمي بالاختلاط) تبعا لابن الصلاح حيث أورده في (المختلطين) من كتابه (المقدمة) وقال: (والحكم فيهم أنه يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط ولا يقبل من أخذ عنهم بعد الاختلاط أو أشكل أمره فلم يدر هل أخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده). قلت: وهذا الأثر لا يدرى هل سمعه الدارمي منه قبل الاختلاط أو بعده فهو إذن غير مقبول فلا يحتج به).

قلت: وقوله ــ رحمه الله ــ أن الخبر موقوف على عائشة ولو صح لم تكن فيه حجة لأنه يحتمل أن يكون من قبيل الآراء الاجتهادية لبعض الصحابة مما يخطئون فيه ويصيبون ولسنا ملزمين بالعمل بهااهـ. إنما ذكر هذا بياناً للقاعدة، ولكن لا يظن أن يأتي هذا من عائشة رضي الله عنها ويدل لذلك ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الرد على البكري قال رحمه الله: ـ وما روي عن عائشة رضي الله عنها من فتح الكوة من قبره إلى السماء لينزل المطرفليس بصحيح ولا يثبت إسناده وإنما نقل ذلك من هو معروف بالكذب ومما يبين كذب هذا أنه في مدة حياة عائشة لم يكن للبيت كوة بل كان بعضه باقياً كما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بعضه مسقوف وبعضه مكشوف وكانت الشمس تنزل فيه كما ثبت في الصحيحين عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها لم يظهر الفيء بعد ولم تزل الحجرة كذلك حتى زاد الوليد بن عبد الملك في المسجد في إمارته لما زاد الحجر في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وكان نائبه على المدينة ابن عمه عمر بن عبد العزيز وكانت حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم شرقي المسجد وقبليه فأمره أن يشتريها من ملاكها ورثة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاشتراها وأدخلها في المسجد فزاد في قبلي المسجد وشرقيه ومن حينئذ دخلت الحجرة النبوية في المسجد وإلا فهي قبل كانت خارجة عن المسجد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد موته ثم إنه بنى حول حجرة عائشة التي فيها القبر جدار عال وبعد ذلك جعلت الكوة لينزل منها من ينزل إذا احتيج إلى ذلك لأجل كنس أو تنظيف وأما وجود الكوة في حياة عائشة فكذب بين.

قال رحمه الله: ـ ولو صح ذلك لكان حجة ودليلاً على أن القوم لم يكونوا يقسمون على الله بمخلوق ولا يتوسلون في دعائهم بميت ولا يسألون الله به وإنما فتحوا على القبر لتنزل الرحمة عليه ولم يكن هناك دعاء يقسمون به عليه فأين هذا من هذا؟.

انتهيت من الرد بتوفيق الله عز وجل يوم السبت الحادي والعشرين من شوال سنة 1425 هـ

والحمد لله رب العالمين.

وكتبه

أبو أحمد عبد الحميد الفيومي

وجزاكم الله خيراً ..

http://www.4shared.com/file/26510577/ca4cc9be/___online.html

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير