كتاب الحج من عمدة الفقه للشيخ العلاّمة محمد المختار الشنقيطي - المدرس بالحرم النبوي-
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[21 - 10 - 07, 07:08 م]ـ
قال الإمام المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الحج والعمرة]:
الشرح:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه، ومن سار على سبيله، ونهجه واستن بسنته إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فيقول المصنف -رحمه الله-: [كتاب الحج والعمرة]: يشتمل هذا الكتاب على بيان الركن الخامس من أركان الإسلام وهو ركن الحج إلى بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلا، ومن عادة العلماء من المحدثين والفقهاء أن يختموا أركان الإسلام ببيان أحكام الحج وأحكام العمرة؛ وذلك لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رتّب هذه الأركان فجعل خاتمتها الحج؛ كما في الصحيح من حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا)).
ومناسبة كتاب الحج لكتاب الصوم واضحة، وقد رتبها المصنف على ترتيب السنة.
والحج في لغة العرب: القصد. قال بعض العلماء: القصد إلى كل شيء حج.
وقال بعض أئمة اللغة: بل إنه يختص بالقصد إلى الأشياء المعظمة، وأيا ما كان فإن أصل معناه القصد.
وأما في الاصطلاح: فهو القصد إلى بيت الله الحرام والمناسك بأفعال مخصوصة ونية مخصوصة. وأما العمرة فإنها في لغة العرب: الزيارة، وأما في اصطلاح العلماء فهي زيارة البيت بطوافه والسعي بين الصفا والمروة.
وهاتان العبادتان متلازمتان، ولذلك يقول العلماء: الحج نوعان: حج أكبر، وحج أصغر. فالحج الأكبر هو الحج إلى بيت الله الحرام، وأداء المناسك من: الوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، ورمي الجمار، والمبيت بمنى، وهذه كلها متعلقة بالحج الأكبر، وأما بالنسبة للحج الأصغر فهو العمرة؛ وقد أشار الله عز وجل إلى ذلك بقوله سبحانه: {وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر} فبين أن الحج فيه أكبر وفيه أصغر.
والأصل في مشروعية الحج دليل الكتاب والسنة والإجماع:
أما كتاب الله؛ فإن الله تعالى يقول: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين}.
وأما السنة فأحاديث، منها: حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- المتقدم حيث عدّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الحج إلى بيت الله الحرام ركنا من أركان الإسلام.
وكذلك ثبت في الأحاديث الصحيحة، منها: حديث سؤال الأعرابي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن فرائض الإسلام، وذكر منها الحج.
وأما الإجماع فقد أجمع العلماء -رحمهم الله- على فرضية الحج، وأنه ركن من أركان الإسلام. وأما العمرة فإن العلماء -رحمهم الله- اختلفوا فيها على قولين:
قال بعض العلماء: إنها واجبة، وهذا هو مذهب الحنابلة والشافعية في المشهور وقال به بعض أئمة السلف -رحمة الله على الجميع-.
ومنهم من قال: إنها سنة مستحبة وليست بواجبة كما هو مذهب الحنفية والمالكية وقول عند الشافعية ورواية عند الحنابلة؛ والدليل على وجوبها أن الله تعالى قال: {ولله على الناس حج البيت} فأمر عباده بالحج إلى بيته، وبيّن في كتابه أن الحج حج أكبر وأصغر، فدل على وجوبهما، ولم يأتِ دليل بإخراج العمرة من هذا الأصل.
وأما السنة فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال لأبي رزين العقيلي -رضي الله عنه وأرضاه- وقد سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في فريضة الحج حيث أدركت أباه شيخا كبيرا لا يستقيم على الراحلة. فقال له: حج عن أبيك واعتمر، فقد صحح هذا ا لحديث غير واحد من أئمة الحديث كالإمام الترمذي -رحمه الله- وغيره.
فقوله عليه الصلاة والسلام: ((حج عن أبيك واعتمر)) فأمره أن يعتمر؛ فدل على وجوب العمرة.
¥