وقال الشيخ المحدث الألباني رحمه الله: (كل أمر يتقرب إلى الله به وقد نهى عنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وكل أمر لا يمكن أن يشرع إلا بنص أو توقيف ولا نص عليه فهو بدعة إلا ما كان عن صحابي ... ) أحكام الجنائز (ص 242) وبنحو هذا قال الحكمي في معارج القبول (2/ 502) وأحمد بن حجر آل بوطامي في تحذير المسلمين من الابتداع في الدين (ص 10)
ولذا فالصواب أنه لا يوصف فعل الصحابي بالبدعة لأمور:
الأمر الأول: أن قولهم سنة متبعة إما على سبيل الوجوب أو الاقتداء والاتباع وقد سبق ان وضعت بحثاً في مسألة حجية قول الصحابي في هذا الملتقى، والسنة والبدعة متضادتان فما وصف بكونه سنة لا يوصف بالبدعة.
الأمر الثاني: أن الصحابة هم أعلم الناس بمقاصد الشرع ومن أعظم مقاصد الشرع اتباع السنة والحذر من البدع ولا يمكن أن يجهل ذلك أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ويعلمه من جاء بعدهم.
الأمر الثالث: أن الصحابة جميعاً حذروا من البدع وأمرونا باتباع ما كانوا عليه ولو كان يصدر منهم ذلك لما جاز لهم أن يحيلونا على من يصدر منه ذلك إحالة مطلقة بدون قيد.
والله أعلم
=====
الشيخ المفضال أبو حازم سدده الله
لا يخفى عليكم أن عِلم أفراد الصحابة وآحادهم بمقاصد الشرع متفاوت، وأمرُهم مَن بعدَهم باتباع ما كانوا عليه إنما هو فيما كان سنة ذائعة بينهم، وعليه يُحمَل كلام الشاطبي وابن تيمية -رحمهما الله تعالى- وما شابهه.
والسؤال هنا متوجهٌ إلى أفعال أفرادهم كما هو ظاهر الأمثلة المذكورة أعلاه، فهل يصح أن يكون فعل الفرد المجتهد منهم أو الذي لم يبلغه الدليل من هذا المحال إليه، أو أن ندعي أن هذا الفعل منه ناتج عن علم بمقاصد الشرع وربما كان صاحبه ليس من فقهاء الصحابة رضي الله عنهم أجمعين؟.
نعم شيخنا، لا نوافق على تبديعهم أو الإنكار عليهم أو الحط من قدرهم لذلك، ولكن يقال: إن ذلك الفعل ناشئ عن اجتهاد مأذون فيه، وربما كان صواباً، وربما كان على خلاف ذلك، فزيادة الصحابي: (حمداً كثيراً طيباً .. ) بناها على أصل مشروعية التحميد بعد الرفع، وفعل بلال رضي الله عنه يحتمل كونه بعد ورود أحاديث فضل الصلاة بعد الوضوء، ويحتمل كونه قبلها مأخوذاً من أصل التشريع في مشروعية الصلاة كل وقت عدا ما منعه الشرع من الأوقات أو الأحوال ونحو ذلك، ثم يأتي دليل الشرع بإقرار هذا الفعل أو عدمه.
فإن كنت مخطئاً فيما ذكرتُ فصوبوني بارك الله فيكم وأحسن إليكم.
ـ[أبو حازم الكاتب]ــــــــ[17 - 10 - 07, 06:17 ص]ـ
الشيخ الكريم أبو يوسف وفقني الله وإياك
إذا اتفق على أنه لا يوصف ما فعلوه بالبدعة فإما أن يكون سنة متبعة أو اجتهاد وفي الحالتين اتباعهم مندوب مرغب فيه بدلالة الكتاب والسنة، وليس المقصود وجوب أخذ أقوالهم وفتاواهم في المسائل الشرعية، وإنما الاقتداء بهم واتباعهم والسير على طريقتهم وعدم الخروج عن أقوالهم إذا اختلفوا، وهذا على سبيل المجموع وعلى سبيل الأفراد، وإلا فما الفرق بين الأخذ بقول مجموع الصحابة والأخذ بقول مجموع المجتهدين في كل عصر فالإجماع حجة في كل عصر سواء كان إجماعا صريحاً أو سكوتياً وكذا الحال في حق الصحابة فالسنة التي وصفتها بأنها ذائعة بينهم من غير نكير هذا هو الإجماع السكوتي وهو حجة في حق الصحابة وغيرهم فلم تظهر ميزة للصحابة في ذلك مع أن النصوص ميزتهم عن غيرهم، ولا يظهر الفرق إلا بكون أفرادهم لهم ميزة عن أفراد بقية العصور، وهذا هو مقصود الأئمة الأربعة في قولهم بالأخذ بأقوال الصحابة، وليس المراد أن أقوالهم حجة كقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وكما ذكرت الصحابة رضي الله عنهم يتفاوتون في الفقه والعلم وكثرة الفتيا كما هو مشهور عند أهل العلم وقد ذكر هذا ابن حزم وابن تيمية وابن القيم وغيرهم لكن مسائل الاتباع والابتداع من الأصول المشهورة عند الصحابة رضي الله عنهم لكثرة تكرار النصوص لها وتأكيد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لهذه الأصول مما جعل هذا الأصل مستقراً عند الصحابة معلوماً لدى الكبير والصغير والرجل والمرأة وعامة الصحابة وقد كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ينكر ما يحدث من الصحابة من مخالفة على المنبر وينقله الكافة عن الكافة فمثل هذا المقصد الشرعي لا يخفى على الصحابة رضي الله عنهم حتى وإن اختلفوا في العلم بل قد شدد فقهاء الصحابة في هذا الباب حتى إن عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - اشتهر عنه المطالبة بإثبات البينة على سماع السنة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ممن يفتي بها كما حصل في قصة الاستئذان لأبي موسى الأشعري 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - كما في الصحيحين.
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[17 - 10 - 07, 07:35 ص]ـ
جزاكم الله خيراً وأحسن إليكم
لا أشك -شيخنا الكريم- في أن أقوال الصحابة في مسائل الاجتهاد لها ميزتها وحجيتها، وأنه إن انحصر خلافهم في أقوال معدودة لم يجز الخروج عنها، ولكن الإشكال عندي في أفعال أفراد الصحابة رضي الله عنهم، لا سيما أن بعض هذه الأفعال نُقِل لنا أنه كان بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم واختص بها فلان من الصحابة الكرام.
فما القول في ذلك وفقكم الله؟
¥