ـ[عيسى بنتفريت]ــــــــ[18 - 10 - 07, 02:04 م]ـ
باب في الدفع إلى مزدلفة والمبيت فيها
والدفع من مزدلفة إلى منى وأعمال يوم العيد
بعد غروب الشمس يدفع الحجاج من عرفة إلى مزدلفة بسكينة ووقار، لقول جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص، وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد شنق للقصواء - يعني: ناقته - الزمام، حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله، ويقول بيده اليمنى: أيها الناس! السكينة السكينة فهكذا ينبغي للمسلمين السكينة والرفق عند الانصراف من عرفة، وأن لا يضايقوا إخوانهم الحجاج في سيرهم، ويرهقوهم بمزاحمتهم، ويخيفوهم بسياراتهم، وأن يرحموا الضعفة وكبار السن والمشاة.
ويكون الحاج حال دفعه من عرفة إلى مزدلفة مستغفرا، لقوله تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وسميت مزدلفة بذلك من الازدلاف، وهو القرب؛ لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات، ازدلفوا إليها، أي: تقربوا ومضوا إليها، وتسمى أيضا جمعا، لاجتماع الناس بها، وتسمى بالمشعر الحرام.
قال في " المغني ": " وللمزدلفة ثلاثة أسماء: مزدلفة، وجمع، والمشعر الحرام ".
ويذكر الله في مسيره إلى مزدلفة؛ لأنه في زمن السعي إلى مشاعر والتنقل بينها.
فإذا وصل إلى مزدلفة، صلى بها المغرب والعشاء جمعا مع قصر العشاء ركعتين بأذان واحد وإقامتين، لكل صلاة إقامة، وذلك قبل حط رحله؛ لقول جابر رضي الله عنه يصف فعل النبي صلى الله عليه وسلم: حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين.
ثم يبيت بمزدلفة حتى يصبح ويصلي، لقول جابر: ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر، فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة.
ومزدلفة كلها يقال لها: المشعر الحرام، وهي ما بين مأزمي عرفة إلى بطن محسر، وقال صلى الله عليه وسلم: ومزدلفة كلها موقف، وارفعوا عن بطن محسر.
والسنة أن يبيت بمزدلفة إلى أن يطلع الفجر، فيصلي بها الفجر في أول الوقت، ثم يقف بها ويدعو إلى أن يسفر، ثم يدفع إلى منى قبل طلوع الشمس.
فإن كان من الضعفة كالنساء والصبيان ونحوهم، فإنه يجوز له أن يتعجل في الدفع من مزدلفة إلى منى إذا غاب القمر، وكذلك يجوز لمن يلي أمر الضعفة من الأقوياء أن ينصرف معهم بعد منتصف الليل، أما الأقوياء الذين ليس معهم ضعفة، فإنه ينبغي لهم أن لا يخرجوا من مزدلفة حتى يطلع الفجر، فيصلوا بها الفجر، ويقفوا بها إلى أن يسفروا.
فالمبيت بمزدلفة واجب من واجبات الحج، لا يجوز تركه لمن أتى إليها قبل منتصف الليل، أما من وصل إليها بعد منتصف الليل، فإنه يجزئه البقاء فيها ولو قليلا، وإن كان الأفضل له أن يبقى فيها إلى طلوع الفجر، ويصلي فيها الفجر، ويدعو بعد ذلك.
قال في " المغني ": " ومن لم يواف مزدلفة إلا في النصف الأخير من الليل، فلا شيء عليه؛ لأنه لم يدرك جزءا من النصف الأول، فلم يتعلق به حكمه ".
ويجوز لأهل الأعذار ترك المبيت بمزدلفة، كالمريض الذي يحتاج إلى تمريضه في المستشفى، ومن يحتاج إليه المريض لخدمته، وكالسقاة والرعاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة في ترك المبيت.
فالحاصل أن المبيت بمزدلفة واجب من واجبات الحج لمن وافاها قبل منتصف الليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بات بها، وقال: لتأخذوا عني مناسككم وإنما أبيح الدفع بعد منتصف الليل؛ لما ورد فيه من الرخصة.
ثم يدفع قبل طلوع الشمس إلى منى، لقول عمر: كان أهل الجاهلية لا يفيضون من جمع حتى تطلع الشمس، ويقولون: أشرق ثبير كيما نغير - وثبير اسم جبل يطل على مزدلفة يخاطبونه، أي: لتطلع عليك الشمس حتى ننصرف - فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأفاض قبل طلوع الشمس.
ويدفع وعليه السكينة، فإذا بلغ وادي محسر - وهو واد بين مزدلفة ومنى يفصل بينهما، وهو ليس منهما -، فإذا بلغ هذا الوادي، أسرع قدر رمية حجر.
¥