ويأخذ حصى الجمار من طريقه قبل أن يصل منى، هذا هو الأفضل، أو يأخذه من مزدلفة، أو من منى، ومن حيث أخذ الحصى، جاز، لقول ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على راحلته: القط لي الحصا فلقطت له سبع حصيات، هي حصا الخذف، فجعل ينفضهن في كفه، ويقول: أمثال هؤلاء فارموا ثم قال: يا أيها الناس! إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين، فتكون الحصاة من حصى الجمار بحجم حبة الباقلاء، أكبر من الحمص قليلا.
ولا يجزئ الرمي بغير الحصى، ولا بالحصى الكبار التي تسمى حجرا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بالحصى الصغار، وقال: خذوا عني مناسككم فإذا وصل إلى منى - وهي ما بين وادي محسر إلى جمرة العقبة -، ذهب إلى جمرة العقبة، وهي آخر الجمرات مما يلي مكة، وتسمى الجمرة الكبرى، فيرميها بسبع حصيات، واحدة بعد واحدة، بعد طلوع الشمس، ويمتد زمن الرمي إلى الغروب.
ولا بد أن تقع كل حصاة في حوض الجمرة، سواء استقرت فيه أو سقطت بعد ذلك، فيجب على الحاج أن يصوب الحصا إلى حوض الجمرة، لا إلى العمود الشاخص، فإن هذا العمود ما بني لأجل أن يرمى، وليس هو موضع الرمي، وإنما بني ليكون علامة على الجمرة، ومحل الرمي هو الحوض، فلو ضربت الحصاة في العمود، وطارت، ولم تمر على الحوض، لم تجزئه.
والضعفة ومن في حكمهم يرمونها بعد منتصف الليل، وإن رمى غير الضعفة بعد منتصف الليل، أجزأهم ذلك، وهو خلاف الأفضل في حقهم.
ويسن أن لا يبدأ بشيء حين وصوله إلى منى قبل رمي جمرة العقبة؛ لأنه تحية منى، ويستحب أن يكبر مع كل حصاة، ويقول: " اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا "، ولا يرمي في يوم النحر غير جمرة العقبة، وهذا مما اختصت به عن بقية الجمرات.
ثم بعد رمي جمرة العقبة الأفضل أن ينحر هديه إن كان يجب عليه هدي تمتع أو قران، فيشتريه، ويذبحه، ويوزع لحمه، ويأخذ منه قسما ليأكل منه.
ثم يحلق رأسه أو يقصره، والحلق أفضل، لقوله تعالى: مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ولحديث ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق رأسه في حجة الوداع متفق عليه، ودعاءه للمحلقين ثلاث مرات، وللمقصرين مرة واحدة، فإن قصر، وجب أن يعم جميع رأسه، ولا يجزئ الاقتصار على بعضه أو جانب منه فقط؛ لقوله تعالى: مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ فأضاف الحلق والتقصير إلى جميع الرأس.
والمرأة يتعين في حقها التقصير، بأن تقص من كل ضفيرة قدر أنملة؛ لحديث ابن عباس مرفوعا: ليس على النساء الحلق، إنها على النساء التقصير رواه أبو داود والطبراني والدارقطني؛ ولأن الحلق في حق النساء مثلة، وإن كان رأس المرأة غير مضفور، جمعته، وقصت من أطرافه قدر أنملة.
ويسن لمن حلق أو قصر أخذ أظفاره وشاربه وعانته وإبطه، ولا يجوز له أن يحلق لحيته أو يقص شيئا منها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتوفير اللحية، ونهى عن حلقها وعن أخذ شيء منها، والمسلم يمتثل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، ويجتنب ما نهى عنه، والحاج أولى بذلك؛ لأنه في عبادة.
ومن كان رأسه ليس فيه شعر كالحليق أو الذي لم ينبت له شعر أصلا وهو الأصلع، فإنه يمر الموسى على رأسه، لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر، فأتوا منه ما استطعتم.
ثم بعد رمي جمرة العقبة وحلق رأسه أو تقصيره يكون قد حل له كل شيء حرم عليه بالإحرام من الطيب واللباس وغير ذلك، إلا النساء، لحديث عائشة رضي الله عنها: إذا رميتم وحلقتم، فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شيء، إلا النساء، رواه سعيد، وعنها: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحرم ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك، متفق عليه.
وهذا هو التحلل الأول ويحصل باثنين من ثلاثة: رمي جمرة العقبة، وحلق أو تقصير، وطواف الإفاضة مع السعي بعده لمن عليه السعي. ويحصل التحلل الثاني - وهو التحلل الكامل - بفعل هذه الثلاثة كلها، فإذا فعلها، حل له كل شيء حرم عليه بالإحرام، حتى النساء.
¥