تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالتأخير إلى محاذاة رابغ خطأ بالنسبة لهؤلاء، لكن الذين هم على الساحل، مثل أهل بدر، ومثل القرى التي يكون مرورها بطريق الساحل فإنهم دون ميقات المدينة، لكن طريقهم على طريق الساحل، فهؤلاء ميقاتهم ما يقدمون عليه - أعني رابغ - وإن أحرموا من موضعهم كأهل بدر يحرمون من بدر، وأهل الروحاء يحرمون من الروحاء، فهذا حسن وأفضل.

لكن لو أن البدري أو من بالروحاء يريد أن يمر عن طريق خط الهجرة الموجود الآن فإنه يدخل بمحاذاة سمت المدينة فيحرم من موضعه، يحرم من بدر؛ لأنه سيكون دون ميقات المدينة من بلده أو موضعه الذي أنشأ، هذا حاصل ما يقال بالنسبة لميقات أهل المدينة وهو ذو الحليفة.

قال بعض العلماء: إنه أفضل المواقيت، وفضله من جهة كونه أبعد، ولا شك أن الأبعد أكثر عناءً وأكثر نصباً وأكثر تعباً، والقاعدة: " أن الأكثر تعباً يعتبر أعظم أجراً "، هذا على الأصل لقوله-عليه الصلاة والسلام-: ((ثوابك على قدر نصبك) فعلى هذا قالوا: إنه أفضل؛ ولأن الله- U- اختاره لنبيه فهو أبعد المواقيت، أبعد المواقيت عن مكة، وقد أحرم منه رسول الله- r- .

[ وأهل الشام ومصر والمغرب الجحفة]: وميقات أهل الشام وأهل مصر والمغرب الجحفة، والجحفة مأخوذة من قولهم: اجتحف السيل القرية إذا أخذها بما فيها من بناء ومن ماشية ومن زرع ونحو ذلك، سميت بذلك؛ لأنها كان بها قوم عصاة، فأرسل الله عليهم السيل فاجتحفهم عن بكرة أبيهم-والعياذ بالله- إلى البحر فأغرقهم الله- U- ، فسميت الجحفة.

وهذا الموضع كان معروفاً إلى ما قبل الإسلام، ثم إن رسول الله- r- لما نزل المدينة كانت المدينة فيها الحمى، وهي التي تسمى اليوم في عصرنا بالملاريا، كانت وبيئة؛ والسبب في ذلك وجود النجل بها، وكانت السيول تحيط بها والمستنقعات بها كثيرة، قالت أم المؤمنين عائشة: " قدمنا المدينة وبطحان نجله "، يعني كالمستنقعات، فلكثرة المياه فيها كانت وخيمة ووبيئة، فلما قدم الصحابة على المدينة أصابتهم الحمى، واستضر بها أصحاب النبي- r- أبوبكر وبلال، وقصتهم في الصحيحين مشهورة، فدخل النبي- r- عليهم وهم يحنون إلى مكة، فقال عليه الصلاة والسلام: ((اللهم حبّب إلينا المدينة كحبنا لمكة أو أشد)) أي وأشد، لأن أو بمعنى الواو، كقوله-تعالى-: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} أي وأدنى، {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} أي ويزيدون، فقال: ((حبّب إلينا المدينة كحبنا لمكة أو أشد، وصححها وانقل حماها إلى الجحفة)) فاستجيبت دعوته-عليه الصلاة والسلام-، وإلا كانت المدينة لا تطاق، لا ينزل بها أحد إلا أصابته الحمى، ولذلك كانت العرب في الجاهلية إذا قدم الرجل بالعير، كانوا يسافرون بالعير إلى الشام، فإذا قدم من الشام ينهق كما ينهق الحمار، وذلك خوفاً من حمى يثرب، كما أشار إلى ذلك بعض الفضلاء بقوله: واختلقوا - يعني أهل الجاهلية، وهي من المسائل التي أحدثوها -

واختلقوا التعشير أن يعشرا من النهيق بحذاء خيبرا

فكانوا يخافون من حمى المدينة، فيظنون ويعتقدون أن هذا النهيق يعصم صاحبه من حمى المدينة، وهي من الأمور الجاهلية التي كانوا يحدثونها، فكانت معروفة بالوباء، فدعا النبي- r- بنقل الوباء إلى الجحفة.

فالشاهد: أنه لما نقل الوباء إلى الجحفة امتنع الناس منها، وتحاموها ولا تزال خربة، حتى خشية أن يصيب الإنسان الحمى؛ لأن النبي- r- دعا أن ينقل الوباء إليها، وأصبح الناس يحرمون من رابغ، بحذاء الجحفة، ولذلك إذا سمعت الجحفة أو رابغ فالمعنى واحد، والخطب يسير، إنما هو ميقات معدول به خوف الوباء.

فالجحفة هو ميقات أهل الشام وميقات أهل مصر وأهل المغرب؛ والسبب في ذلك أنهم كانوا قبل قناة السويس كانوا يأتون حجاج أفريقيا وبلاد المغرب وبلاد الأندلس يأتون على مصر، ومن مصر يأتون من جهة العقبة على شمال المملكة ثم يأخذون طريقاً يسمى بطريق الساحل، كان مسلكاً للتجارة والعير، فيأخذون بطريق الساحل، فيمرون برابغ، ومنها يفيضون إلى قديد ثم إلى عسفان ثم إلى مكة، فهذا طريق في القديم، فجعل لهم ميقاتهم الجحفة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير