تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والصحيح ما ذهب إليه طائفة من السلف أن الأفضل والأكمل أن يؤخر إلى الميقات، وأن من أحرم من قبل الميقات فإنه لا يعتبر مصيباً للسُّنة، فالسُّنة الأكمل والأفضل أن يكون من الميقات، ولذلك سئل الإمام مالك إمام دار الهجرة-رحمة الله عليه-، قال له رجل: يا أبا عبدالله، إني أريد أن أحرم من مسجد النبي- r- ، فقال له الإمام مالك-رحمة الله عليه-: لا تفعل رحمك الله، لا تفعل فقال: إني أريد أن أفعل، قال: لا تفعل، قال: ولم رحمك الله؟ قال: إني أخاف عليك الفتنة، قال: وكيف ذاك؟ قال: لأن النبي- r- أحرم من الميقات، وإنك إن أحرمت من المسجد خالفته أو ظننت أنك أفضل من النبي- r- ، والله-تعالى- يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ}، فلا شك أن كون النبي- r- يؤخر إحرامه إلى الميقات يدل دلالة واضحة على أن الأفضل والأكمل أن يحرم من الميقات.

طيب إذا قلنا: إن الأفضل والأكمل أن يحرم من الميقات، فلو لبّى قبل الميقات وعقد إحرامه فإنه قد دخل في النسك، ويعتبر حينئذٍ متلبساً بالنسك، وعليه ما على من أحرم، ويمتنع من المحظورات، فإن مر من الميقات جدد نيته، إن مر بالميقات جدد النية. عرفنا الآن الإحرام من الميقات، والإحرام قبل الميقات.

بقي السؤال: الإحرام دون الميقات، فالإحرام دون الميقات دون ميقات المدينة أو غيره من المواقيت يعتبر خلاف الشرع فيأثم من قصده، فلو أن إنساناً تعمد، وقال: ما أريد أن أحرم من ميقات المدينة وهو في المدينة وأخر إلى جدة فإنه يأثم - هذا أول الشيء - لأنه خالف الشرع وعصى، ثم يلزمه دم جبراناً لهذا النقص، وهذا الدم سيأتي - إن شاء الله بيانه وبيان دليله -، وفتوى جماهير السلف والخلف والأئمة الأربعة-رحمة الله عليهم- به، ووجه استنباط حبر الأمة- t- عبدالله بن عباس له من كتاب الله-?- وعمل الأمة في فتاويهم به.

هذا الدم جبراناً للنقص، وحينئذٍ من جاوز الميقات لا يخلو من حالتين:

لو أن إنساناً من أهل المدينة، أو قدمت المدينة، وفي نيتك أن تحج أو تعتمر فجاوزت ميقات المدينة أبيار علي وتخطيته وأنت تريد النسك، فلا تخلو من حالتين:

الحالة الأولى: أن تعقد النية وتصمم وتمضي، فتحرم من دون الميقات ولو بكيلو واحد ولو بنصف كيلو؛ فحينئذٍ يلزمك الدم الذي ذكرناه، ويعتبر إخلالاً بالنسك كما ذكرنا.

الحالة الثانية: أن يتذكر الإنسان كأن يكون ناسياً، أو يتعمد مجاوزة الميقات ثم لا يلبي ولا ينوي ويرجع إلى الميقات وينوي، فإن رجع إلى الميقات ونوى من الميقات سقط عنه الدم، وحينئذٍ يعتبر متلافياً للإخلال ولا شيء عليه.

إذاً هناك حالتان لمن جاوز الميقات:

إما أن يستمر وينوي دون الميقات ولو بيسير فعليه الدم، ويعتبر آثماً بتعمده، وإما أن يتدارك ويرجع، فإن رجع وتدارك سقط عنه الدم إذا لم يكن قد أحرم، ولم ينوِ بعد الميقات.

بقي السؤال في ميقات المدينة: الآن الموجود الخط الذي هو خط الهجرة يمر بالمدينة، ثم يمر بقرى دون ميقات المدينة كاليتمة، ووادي الفرع، والمهد ونحو من هذه القرى، فهل يحرمون بمحاذاة رابغ ويعتبرون للميقات الأدنى أو يعتبرون دون المدينة؟ لأنهم في سمت المدينة؟!

الجواب: أنهم يعتبرون دون المدينة، فمن كان من أهل اليتمة وأراد الإحرام فإحرامه من اليتمة نفسها، ولا يحرم من دون اليتمة بمحاذاة رابغ؛ والسبب في ذلك أن النبي- r- قال: ((فمن كان دون ذلك)) والإشارة راجعة إلى المواقيت، فإحرامه من حيث أنشأ، فالذي يكون في المهد، أو يكون في اليتمة، أو يكون في وادي الفرع يحرم من مكانه، ولو أنه في وادي ريم وهو الذي يبعد عن المدينة قرابة ستين كيلو، فإنه يحرم من وادي ريم، وقد دل على ذلك فعل السلف الصالح، فإن ابن عمر-رضي الله عنهما- وهو راوي حديث المواقيت كانت له مزرعة بوادي الفُرع، فلما أراد الحج أنشأ النية منها فأحرم من وادي الفُرع، ولم يؤخر إلى محاذاة رابغ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير