تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن العبث بهذه الخلقة والإسقاط للأجنة له آثار سلبية حتى الأطباء أنفسهم يقررون هذا فإن المرأة إذا أقدمت على تعاطي الدواء، أو تعاطي الأسباب التي تسقط الجنين فإنه لا بد من وجود أثر لهذا التعاطي ولهذا الفعل، ولا بد من وجود تبعات ومضاعفات تضر بالمرأة وتضر بجسدها، ولا يمكن أن الإنسان يشك في هذا، فالجسد إذا أخرج عن عادته وطبيعته لا بد وأن يتضرر، فلو استعملت دواء لا بد له من أثر، ولو تعاطت الأسباب الشنيعة الفظيعة من الترويع أو حمل الأشياء الثقيلة فإنها قد تسلب ويحدث معها النزيف وتضطرب عدتها ويحدث لها من الأضرار في جسدها ما لا يخفى في كثير من الأحوال التي يفعل، أو يقدم فيها على الإسقاط.

وبناءً على ذلك فالذي نعرفه من نصوص الشرع وأصول الشريعة أن الواجب على الطبيب أن يقدم على علاج الأبدان ووقايتها من الضرر، أما أن يقدم على إسقاط الأجنة، والعبث بخلقة الله عز وجل فهذا ليس له دليل لا من كتاب الله، ولا من سنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

وليس للذين قالوا بجواز الإسقاط إلا دليل واحد، وهو حديث ابن مسعود الذي تقدم وقد أجبنا عنه، بل حديث ابن مسعود 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - يقوي عدم جواز الإسقاط؛ لأن كونه من خلق الله والنصوص تدل على عدم جواز العبث بخلق الله يقتضي المنع.

ثم أيضاً تجد نفس الأقوال التي أجازت الإسقاط تجدها مضطربة في الفتوى والقول بجواز الإسقاط، والذي تطمئن إليه النفس ترك هذه الأجنة وترك هذه الخلقة وعدم إقدام الأطباء على إسقاط الأجنة سواءً كانت قبل نفخ الروح أو بعده؛ لكن تستثنى من هذا مسائل:

منها إذا كان بقاء الجنين يغلب على ظن الطبيب أنه سيفضي إلى هلاك المرأة وموتها وهذا يسمى عند الأطباء بـ (الحمل المنتبذ) أو (الحمل القنوي) أو (الحمل المهاجر) وحقيقته: أن الجنين يتخلق في غير موضعه الطبيعي ثم ينتفخ ويفجر القناة وينفجر في بطن المرأة فيقتلها ويموت الجنين نفسه، فحينئذ يجوز الإسقاط ويجوز التدخل الجراحي لإخراج هذا الجنين إن تعذر إسقاطه؛ لأنه لإنقاذ نفس محرمة وليس من باب إسقاط الأجنة؛ وإنما هو تلافٍ لضرر فالحياة المتيقنة مقدمة على الحياة المظنونة، فنحن لا يمكننا أن نعرض حياة الأم اليقينية للخطر والضرر بسبب حياةٍ قد تبقى وقد لا تبقى؛ بل بعض الأطباء يقول: حياة الجنين نفسها مستبعدة لأنه إذا تم الاكتمال في هذا الموضع سيفجر القناة فيموت الجنين في بطن الأم وتموت الأم تبعاً لذلك، فإذاً حتى حياة الجنين غير مستقرة، وبناءً على ذلك يجوز إسقاط الأجنة في هذه الحالة وأشباهها مما تتعرض فيه الأم للهلاك والضرر، وهذا من باب درء المفسدة العظمى بالمفسدة الصغرى؛ لأن نصوص الكتاب والسنة دالة على هذه القاعدة التي هي: " إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما " ومن الأدلة على ذلك أن موسى عليه السلام كسر لوحاً من السفينة لأجل إنقاذ السفينة كاملةً، وهذا يدل على أنه يجوز إتلاف الأقل لما هو أعظم منه، والجنين هنا ليس في مقام الأم، وكذلك حياته ليست غالبة ولا متيقنة فتقدم الحياة المتيقنة وهي حياة الأم على الحياة المظنونة وهذا هو الذي يفتى فيه بجواز الإسقاط.

وأما بالنسبة للتساهل في هذا فالمرأة تتساهل في هذا الأمر وتقول أتعبتني تربية الأولاد وأريد ما بين الأولاد متفاوتاً هذه كلها شهوات، ونزوات ليست رغبات النساء موجبة للإقدام على هذه الحدود الشرعية، من العبث في خلقة الله عز وجل وتعريض الأنفس للضرر وإزهاق الأرواح - خاصةً إذا كان بعد نفخ الروح -، فإن الله عز وجل شرع في سنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ضمان الأجنة كما جاء في قصة المرأتين لما هما اقتتلتا فرمت إحداهما الأخرى فألقت جنينها فقتلتها وألقت ما في بطنها فأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بضمان الجنين، وهذا يدل على أنه له حرمة، فعلى كل حال على النساء أن يتقين الله عز وجل، ويشرع للزوج أن يمنع زوجته؛ لأن الولد ولده إلا إذا قرر الأطباء أن المرأة تتعرض للخطر والضرر كما ذكرنا فهذا يستثنى، ولا يجوز للطبيب أن يعين على مثل هذه الأعمال لما فيها من الاعتداد على حرمات الله عز وجل والإقدام على إتلاف الأجساد، والعبث فيها بدون مبرر شرعي.

انتهى كلامه بنصه حفظه الله ورعاه

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير