تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الله يجحدون والتوبة كالإسلام فإن الذي قال الإسلام يهدم ما كان قبله هو الذي قال التوبة تهدم ما كان قبلها وذلك في حديث واحد من رواية عمرو بن العاص رواه أحمد ومسلم، فإذا كان العفو عن الكافر لأجل ما وجد من الإسلام الماحي والحسنات يذهبن السيئات، ولأن في عدم العفو تنفيره عن الدخول؛ لما يلزم الداخل فيه من الآصار والأغلال الموضوعة على لسان هذا النبي، فهذا المعنى موجود في التوبة عن الجهل والظلم، فان الاعتراف بالحق والرجوع إليه حسنة يمحو الله بها السيئات، وفى عدم العفو تنفير عظيم عن التوبة وآصار ثقيلة وأغلال عظيمة على التائبين، وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبى ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يبدل لعبده التائب بدل كل سيئة حسنة، على ظاهر قوله (يبدل الله سيئاتهم حسنات)، فإذا كانت تلك التي تاب منها صارت حسنات لم يبق في حقه بعد التوبة سيئة أصلا، فيصير ذلك القبض والعقد من باب المعفو عنه، ويصير ذلك الترك من باب المعفو عنه فلا يُجعل تاركا لواجب ولا فاعلا لمحرم، وبهذا يحصل الجمع بين الأدلة الشرعية فان النبي صلى الله عليه وسلم قال (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ... ) (15) إلى أن قال: (فإن الرجل قد يعيش مدة طويلة لا يصلي ولا يزكي وقد لا يصوم أيضا ولا يبالي من أين كسب المال أمن حلال أم من حرام ولا يضبط حدود النكاح والطلاق وغير ذلك فهو في جاهلية إلا أنه منتسب إلى الإسلام، فإذا هداه الله وتاب عليه فإن أُوجب عليه قضاء جميع ما تركه من الواجبات وأُمر برد جميع ما اكتسبه من الأموال، والخروج عما يحبه من الأبضاع إلى غير ذلك صارت التوبة في حقه عذاباً، وكان الكفر حينئذ أحب إليه من ذلك الإسلام الذي كان عليه؛ فإن توبته من الكفر رحمة وتوبته وهو مسلم عذاب، وأعرف طائفة من الصالحين من يتمنى أن يكون كافراً ليسلم فيُغفر له ما قد سلف؛ لأن التوبة عنده متعذرة عليه أو متعسرة على ما قد قيل له واعتقده من التوبة، ثم هذا منفر لأكثر أهل الفسوق عن التوبة، وهو شبيه بالمؤيِّس للناس من رحمة الله ووضع الآصار ثقيلة والأغلال عظيمة على التائبين الذين هم أحباب الله فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، والله أفرح بتوبة عبده من الواجد لماله الذي به قوامه بعد اليأس منه، فينبغي لهذا المقام أن يحرر فإن كفر الكافر لم يسقط عنه ما تركه من الواجبات وما فعله من المحرمات لكون الكافر كان معذوراً بمنزلة المجتهد فإنه لا يعذر بلا خلاف، وإنما غفر له لأن الإسلام توبة، والتوبة تجب ما قبلها والتوبة توبة من ترْك تصديق وإقرار وترْك عمل وفعل، فيشبه -والله أعلم- أن يُجعل حال هؤلاء في جاهليتهم كحال غيرهم) (16).

وعلى رأي شيخ الإسلام في هذا القول فإنه ينسحب على كل تائب كالمغني والمغنية والبغي والنائحة والمرابي وغير ذلك كل هؤلاء بعد التوبة تحل لهم أموالهم المقبوضة بعقود فاسدة وهذا الرأي يخالف رأيه الثالث الذي يأتي بيانه بعد قليل.

القول الثاني:

أنه لا يملك المال الحرام والمقبوض بعقد فاسد.

واختلف قول الشيخ هنا في حكم المال بعد ذلك على قولين:

القول الأول: أنه يجب رده إلى صاحبه فيرد الربا على من أربى عليه ويجب على كلا الطرفين رد ما أخذه فيرد المشتري السلعة، ويرد البائع الثمن، فإن لم يستطع رد المقبوض تخلص منه بأن يتصدق به ويصرفه في مصالح المسلمين، وهذ الرأي لشيخ الإسلام وقفت عليه في أكثر من موضع وإليك كلامه في هذا:

الموضع الأول: قال في اقتضاء الصراط المستقيم: (المقبوض بالعقد الفاسد يجب فيه التراد من الجانبين، فيرد كل منهما على الآخر ما قبضه منه) (17) ولم يفرق بين التائب وغيره.

الموضع الثاني: قال في مجموع الفتاوى: (والواجب رد المال المقبوض بالمعاملة الربوية الفاسدة إن كان باقياً، وإن كان فانياً رد مثله ولا يستحق الدافع أكثر من ذلك ... ) (18).

الموضع الثالث: وقال أيضاً في مجموع الفتاوى عن العقود والقبوض المحرمة كالربا والميسر ونحو ذلك: (والواجب على من حصلت هذه بيده ردها إلى مستحقها، فإذا تعذر ذلك فالمجهول كالمعدوم) (19) ولم يفرق أيضاً بين التائب وغيره.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير