تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فأجاب: نعم إذا أعان الرجل على معصية الله كان آثما لأنه أعان على الإثم والعدوان، ولهذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم الخمر وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومشتريها وساقيها وشاربها وآكل ثمنها)، وأكثر هؤلاء كالعاصر والحامل والساقي إنما هم يعاونون على شربها، ولهذا ينهى عن بيع السلاح لمن يقاتل به قتالا محرما كقتال المسلمين والقتال في الفتنة، فإذا كان هذا في الإعانة على المعاصي فكيف بالإعانة على الكفر وشعائر الكفر، والصليب لا يجوز عمله بأجرة ولا غير أجرة ولا بيعه صليبا، كما لا يجوز بيع الأصنام ولا عملها، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام)،وثبت عنه أنه لعن المصورين، وأنه كان لا يرى في البيت صورة إلا قضبها، فصانع الصليب ملعون لعنه الله ورسوله.

ومن أخذ عوضا عن عين محرمة، أو نفع استوفاه، مثل أجرة حمال الخمر، وأجرة صانع الصليب، وأجرة البغي ونحو ذلك، فليتصدق بها، وليتب من ذلك العمل المحرم، وتكون صدقته بالعوض كفارة لما فعله فإن هذا العوض لا يجوز الانتفاع به؛ لأنه عوض خبيث ولا يعاد إلى صاحبه؛ لأنه قد استوفى العوض ويتصدق به، كما نص على ذلك من نص من العلماء، كما نص عليه الإمام أحمد في مثل حامل الخمر، ونص عليه أصحاب مالك وغيرهم (33)). فهذه الفتوى صريحة في أن شيخ الإسلام يقضي في المحرم لكسبه بأنه عوض خبيث، وأنه يجب التوبة من ذلك العمل والتصدق به، وأنه لا يعاد إلى صاحبه.

الموضع الخامس:

نقله عنه تلميذه ابن القيم فقال: (فإن قيل: فما تقولون فيمن سُلِّم إليهم المنفعة المحرمة التي استأجروه عليها كالغناء والنوح والزنى واللواط؟ قيل: إن كان لم يقبض منهم العوض لم يُقضَ له به باتفاق الأمة، وإن كان قد قبض لم يطب له أكله، ولم يملكه بذلك، والجمهور يقولون يرده عليهم لأنه قبضه قبضاً فاسداً، وهذا فيه روايتان منصوصتان عن الإمام أحمد؛ إحداهما أنه يرده عليهم، والثانية لا يأكله ولا يرده بل يتصدق به، قال شيخنا: وأصح الروايتين أنه لا يرده عليهم ولا يباح للأخذ، ويصرف في مصالح المسلمين كما نص عليه أحمد في أجرة حمال الخمر) (34).

فهنا كلام صريح بأنه إذا قبض العوض المحرم أنه لا يطيب له ولم يملكه بالقبض.

وقال في موضع آخر: (فصل المسألة الثانية إذا عاوض غيره معاوضة محرمة، وقبض العوض كالزانية والمغني وبائع الخمر وشاهد الزور ونحوهم، ثم تاب والعوض بيده، فقالت طائفة: يرده إلى مالكه؛ إذ هو عين ماله، ولم يقبضه بإذن الشارع، ولا حصل لربه في مقابلته نفع مباح، وقالت طائفة: بل توبته بالتصدق به ولا يدفعه إلى من أخذه منه، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو أصوب القولين) (35)

وقال في موضع ثالث: (فإن قيل: فما تقولون في كسب الزانية إذا قبضته، ثم تابت، هل يجب عليها رد ما قبضته إلى أربابه، أم يطيب لها، أم تتصد ق به؟

قيل: هذا ينبني على قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، وهي أن من قبض ما ليس له قبضه شرعاً، ثم أراد التخلص منه، فإن كان المقبوض قد أخذ بغير رضى صاحبه، ولا استوفى عوضه، رده عليه. فإن تعذر رده عليه، قضى به ديناً يعلمه عليه، فإن تعذر ذلك، رده إلى ورثته، فإن تعذر ذلك، تصدق به عنه، فإن اختار صاحب الحق ثوابه يوم القيامة، كان له، وإن أبى إلا أن يأخذ من حسنات القابض، استوفى منه نظير ماله، وكان ثواب الصدقة للمتصدق بها، كما ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم.

وإن كان المقبوض برضى الدافع وقد استوفى عوضه المحرم، كمن عاوض على خمر أو خنزير، أو على زنا أو فاحشة، فهذا لا يجب رد العوض على الدافع؛ لأنه أخرجه باختياره، واستوفى عوضه المحرم، فلا يجوز أن يجمع له بين العوض والمعوض، فإن في ذلك إعانة له على الإثم والعدوان، وتيسير أصحاب المعاصي له (36).

وأما قول أصحاب القول الأول إن هذا مال محرم فيقاس على المقبوض بعقد فاسد إذ حكمه وجوب رده إلى صاحبه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير