تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما بالنسبة للحمد فلا يكون إلا باللسان، ولكن من جهة السبب الحمد أعمّ من الشكر، فتحمد الإنسان سواء أنعم عليك بعد الله، أو لم ينعم تقول: فلان كريم، ولم يعطك شيئاً، ولكن رأيت فيه هذه الخصلة الطّيبة فأثنيتَ عليه، وحمِدتَه، إذاً فالحمد لا يستلزم وجود فضلٍ للمحمود على الحامد؛ ولكن الشكر إنما يكون بعد جميل، ونعمةٍ من المشكور، فلا تشكر إلا من أحسن، وأسدى إليك المعروف.

إذاً فالفرق بينهما أنّ بينهما العُموم، والخُصوص.

قوله رحمه الله: [الحمدُ للهِ حمداً لا يَنْفدُ]: أي أحمد الله-تبارك وتعالى- حمداً لا ينتهي.

قوله رحمه الله: [الحمد لله]: العلماء يقولون استفتح الله كتابه بالحمد لله؛ فاختار اسم الله، ولم يقل الحمد للكريم، أو للعظيم، مع أنه سبحانه عظيم، وكريم بلا شكٍ، ولكن تخصيص الاسم الدّال على الذّات أبلغ في الحمد، والثناء من ذكر الوصف؛ لأنك لو قلت الحمد للكريم؛ لأشعر أنك حمدته من أجل أنه كريم، ولكن لما قلت الحمد لله، أثبت له الحمد لذاته-سبحانه وتعالى- فكان أبلغ.

قوله رحمه الله: [حَمْداً لا يَنْفدُ]: أي أحمده حمداً لا ينتهي، ولا ينقطع فالله هو المستحق للحمد الذي لا ينفد؛ لأن نعمه لا تنقطع، ولا تنتهي على العبد، وهو لا يستطيع عدّها فضلاً عن شكرها، والثناء على الله- عز وجل - بما هو أهله.

قال رحمه الله: [أفضلَ ما يَنْبغي أنْ يُحمد]: قوله [أَفضلَ]: على وزن أفعل، والعرب تأتي بهذه الصيغة، وهي صيغة أفعل التفضيل، لتدلّ على أن شيئين، فأكثر إشتركا في شيء، وأن أحدهما أفضل من غيره فيه، والفضل في اللغة أصله الزيادة أي: أن هذا الحمد مع كونه لا ينقطع، ولا ينتهي كذلك هو بأفضل، وأحسن ما ينبغي أن يكون عليه حمده سبحانه.

قال رحمه الله: [وصلّى اللهُ، وسلّم على أفضلِ المُصْطَفِينَ مُحمَّدْ]: قوله رحمه الله: [وصلّى الله]: الصلاة تطلق في اللغة بمعانٍ:

منها: الصلاة بمعنى الدعاء، ومنه قول الشاعر:

تَقُولُ بِنْتِي وَقَدْ قَرَّبْتُ مَُرتحلاً يَاربِّ جَنِّب أَبِي الأَوصَابَ وَالوَجَعَا

عَلَيكِ مَثْلُ الذِي صَلِّيتِ فَاغْتمِضِي عَيْنَاً فَإِنَّ لجِنْبِ المَرْءِ مُضْطَجَعَا

يقول الشاعر: إن إبنتي حينما هيأتُ رحلي للسفر قالت هذا الدعاء:- (يا ربِّ جنِّب أبي الأوصابَ والوجعا) أي: أنها دعت له بالسلامة، فقال ذلك الأب يجيبها: (عليك مثلُ الذي صلّيتِ)، أي: عليك مثل الذي دعوت به فقوله:- " مثل الذي صليت " أي: دعوت، وهو موضع الشاهد من البيت؛ أنه استعمل الصلاة بمعنى الدعاء، ومنه قول الحق تبارك وتعالى: {خُذْ مِنْ أمْوالهمْ صَدَقةً تُطَهرُهمْ وتُزَكِّيهمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} (1) أي إذا أعطوا الزكاة لك يا رسولنا فصلِّ على من أعطاها لك، ولذلك قال العلماء: يسن للإمام، أو نائبه الذي يلي أخذ الزكاة من الناس إذا أخذها منهم أن يدعو لهم بالبركة، والخير في أموالهم فقوله: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أي: اُدعُ لهم؛ فالصلاة استعملت هنا بمعنى الدعاء.

ومن معاني الصلاة الرحمة، وهي من الله لعبده، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} (2).

وصلاة الله على العبد رحمته، فالصلاة تطلق بمعنى الرحمة، ومنه قول الشاعر:

صَلَّى المَليْكُ عَلَى اْمرِئٍ وَدَّعتُهُ وَأَتمَّ نِعْمَتَهُ عَلِيهِ وَزَادَهَا

أي: رحم الله ذلك العبد، أو ذلك الأخ الذي ودَّعتُه.

ومن معاني الصلاة في لغة العرب: البركة، والزيادة، وفُسّر به قوله عليه الصلاة والسلام في صحيح البخاري، وغيره: [اللهمَّ صَلِّ على آل أبي أوفى] قيل معناه: بارك لهم.

فهذه ثلاثة معانٍ للصلاة الدعاء، والرحمة، والبركة.

وقوله [وصلّى الله]: المراد به الرحمة، أي: رحم الله.

قوله رحمه الله: [وسلم على أفضل المصطفين محمد]: قوله رحمه الله: [وسلم] السلام: إما مأخوذ من السلامة من الآفات.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير