تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الْخِطَابِ} (1) قالوا بدليل قَرنها بالحكمة، فيكون قوله سبحانه: {وفَصْلَ الخِطَابِ}: أي الفصل بين مقدمته، ومضمونه، وذلك أبلغ في نفع الناس، وتوجيههم حتى لا يختلط الكلام بعضه ببعض، وهذا قول الشعبي، وطائفة من المفسرين، والذي يظهر، والعلم عند الله أن فصل الخطاب هو علم القضاء، والفصل بين الناس في الخصومات، والنزاعات.

فقوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} ليس المراد بقوله: {وَفَصْلَ الْخِطَابِ} أمابعد التي معنا، وإنما المراد به كما قال طائفة من العلماء معرفة الطريقة التي يُفْصَلُ بها بين خطاب الخصوم إذا تخاصموا؛ لأن الخصوم إذا تخاصموا إختلفت أقوالهم، وتباينت حججهم فيكثر كلامهم، وخطابهم ولغطهم؛ فيحتاجون إلى فصلٍ بينهم، فقوله سبحانه: {فَصْلَ الخِطَابِ} المراد به: علم الفصل في الخصومات، ومن ذلك قولهم (البيّنةُ على المُدَّعِي، واليمينُ على من أَنْكر)، ومن فصل الخطاب أيضاً: أنه يترك المُدَّعِي حتى يُكمل دعواه، ثم يسأل المُدَّعى عليه، ولذلك لما لم يفعله داود-عليه السلام-، وحكم على الخصم قبل سماع جواب خصمه عن دعواه، فقال: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} (2) عاتبه الله، ولذلك كان هذا من تعليم فصل الخطاب، فدلّ سياق الآية على أن المراد بفصل الخطاب ليس أما بعد التي معنا؛ وإنما المراد بها فصل الخطاب بين الخصوم، وهو الذي إمتن الله- عز وجل - به على داود، وعلّمه إياه، فالحاصل أن الصحيح في الآية أنها لا يراد بها كلمة: أما بعد، وهذا لا يعني عدم مشروعيتها، بل إنها مشروعة، حيث ثبتت هذه الكلمة في الأحاديث الصحيحة عن النبي- - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - ومنها ما في الصحيح عنه-عليه الصلاة والسلام- من قوله: [أمّا بَعدُ: فَما بالُ أقوامٍ يَشترطونَ شروطاً ليستْ في كتابِ اللهِ؟] فكان يقول هذه الجملة، ولذلك من السُّنة أن تُقالَ بعد المقدمة.

وقد يُكرِّرها البعضُ فيقول: أما بعد، ثم يأتي بكلمة، ثم يقول " ثم أما بعد " والذي يظهر الاقتصار على السُّنة أن يُثنى على الله، ويحمده فإذا انتهى من الثَّناءِ، والحمدِ قال: أمّا بَعدُ، ودخل في المقصود، فتكرارها لا يحفظ له أصل؛ خاصة في خطب الجمع، ونحوها يقتصر على قوله: أمَّا بَعدُ مرةً واحدةً؛ لأنه هديه عليه الصلاة، والسلام، وسنته.

قال المصنف رحمه الله: [فهذا مُخْتَصرٌ]: قوله رحمه الله (هذا) إسم إشارة، وهناك حالتان:

الحالة الأولى: أن يُشار إلى شيءٍ موجود، فحينئذ لا إشكال؛ لأنه الأصل فيها أنها اسم إشارة تدل على شيء موجود، فتقول: هذا البيت، فإذا كان المصنف رحمه الله قد كتب هذه المقدمة بعد فراغه من الكتاب، فحينئذ لا إشكال في إشارته بقوله (هَذا مُخْتَصرٌ)؛ لأنه موجود مكتوب.

والحالة الثانية: أن يشار بها إلى شيءٍ غير موجود من باب تنزيل المعدوم منزلة الموجود، فإذا كان المصنف رحمه الله كتب هذه المقدمة عند إبتدائه لتصنيف الكتاب؛ فإنه يكون قد نزّلَ المعدومَ منزلةَ الموجودِ، وقد درج كثير من العلماء رحمهم الله على ذلك أعني كتابة المقدمة عند إبتداء التصنيف والتأليف؛ لا بعد الفراغ منه، وقد يصرح بعضهم بذلك فيقول: (هذا أوان الشروع فيه) ومنهم من يفهم منه ذلك حينما يقول في مقدمته (وأسأل الله أن يعين على إتمامه)، وهذه الطريقة هي الغالبة بدليل أن الكتب، والشروح التي لم يتمُّها مؤلفوها كلها وجدت بمقدماتها.

وعليه فإن إشارته لكتابه على هذا الوجه بقوله (فهذا مختصر) يكون من باب تنزيل المعدوم منزلة الموجود، لأن الإختصار لم يحصل بعد، ولكنه قصد حصوله، واحتاج للتنبيه عليه؛ فنزّلة منزلة الموجود أي هذا الكتاب الذي سأكتبه مختصر في الفقه.

قوله رحمه الله: [مختصر]: الاختصار ضد الإسهاب، وإذا خاطبت النّاس في خطبة، أو كتبت لهم كتاباً، أو أردت أن تتحدث في موضوع، فلك ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يكون كلامك أكثر من المعنى، فالمعنى قليل، ولكن الكلام كثير.

الحالة الثانية: أن يكون كلامك أقلّ من المعنى، فالمعنى كثير، ولكن تأتي بكلمات قليلة تحتها معان كثيرة، وهذه الحالة عكس الحالة الأولى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير