تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[أو مِلحٍ مائيٍ]: الملح: إما أن يكون جبلياً، أو يكون مائياً، لأنه يُستخلص منهما فإذا كان الملح مائياً ووضع في ماء طهور لم يسلبه الطهورية، لأن أصله من الماء، وحينئذ لا يضره، لأنه يكون كالثلج، والبرد إذا أذيبا في الماء الطّهور، وأما إذا كان الملح أصله من غير الماء، وهو الملح المستخلص من الأراضي السبخة، ونحوها فإنه يسلب الماء الطهورية إن وضع فيه، لأنه يغير الطعم بطاهر، وهو مفهوم عبارة المصنف رحمه الله.

قوله رحمه الله: [أو سُخّنَ بنجسٍ] بيّن رحمه الله أن الماء إذا سُخِّن بنجسٍ فهو طهور؛ لكنه يكره إستعماله، والسبب في ذلك: أنه لم يتغيّر بشيء ممازج، وإنما تغيّر بمجاورة، فنجاسته ليست بمؤثرة كالممازج.

وهذا مبني على أنه إذا سخن بالنجس لم يسلم غالباً من صعود أجزاء لطيفة من النجاسة إليه كما يقولون، وعن الإمام أحمد رحمه الله رواية: أنه لا يكره، ومن أصحاب الإمام أحمد رحمه الله مَنْ قصر حكم الكراهة على حاله ساخناً، فإذا برد لم يُكْره، وقد ذكر الإمام المرداوي رحمه الله الخلاف في هذه المسألة، وأن للأصحاب فيه أربع عشرة طريقاً، وقال: إن أصحها فيها روايتان مطلقاً، ومحل الكراهة إذا لم يوجد غيره، وهذا ما عبّر عنه بعض العلماء رحمهم الله بقوله: (إِنْ لمْ يَحْتَجْ إِليْهِ).

وفي حكم المُسخّنِ بالنّجسِ المُسَخّنُ بالمغصوب.

قوله: [كُرِهَ] أي: صار مكروهاً، والمكروه في اللغة ضدّ المحبوبِ، وأما في اصطلاح علماء الأصول فهو: (الذي يُثابُ تارِكُهُ، ولا يعاقبُ فاعِلُهُ).

وعليه فالتعبير بكون الماء مكروهاً في هذه الصور السابقة يدل على أنه باقٍ على الأصل أعني: كون الماء طهوراً، وأن الأفضل أن يستعمل غيره في الطهارة، فلو استعمله صحت طهارته، ومن أهل العلم رحمهم الله من جعل الكراهة في حال وجود غيره، فإذا لم يجد غيره لم يكن مكروهاً عندهم كما قدمنا.

والصحيح أن هذه الكراهة مبنيّة على ما قدمنا من أنه متردد بين ما هو باقٍ على الأصل، وبين ما هو منتقل عن الأصل، أي أنه في مقام وسطٍ: بين الطهور الباقي على أصله، وبين ما انتقل عن الأصل فهو متغيّر بشيء يسير، لم يتمحض خلوصاً كالأصل، ولم يتمحض تغيّراً كالمنتقل عن الأصل ومن هنا أعطى حُكماً يناسبه، وهو الكراهة، وهذا الأصل مشى عليه طائفة من علماء الأصول رحمهم الله كما قدمنا وهو معتبر حتى عند فقهاء الحنابلة رحمة الله على الجميع.

قوله رحمه الله: [وإِنْ تغيّر بِمُكْثِهِ] شرع رحمه الله بهذه العبارة في بيان النوع الثاني من الطهور المتغيّر وهو الذي لا يكره إستعماله، مع كونه متغيّراً كما قدمنا.

وذكر له صوراً منها: (أن يتغيّر بمكثه) وهو الماء الآسن، فتغيّره منه نفسه، وليس بشيء من خارج عنه، فلم يضرّ.

ومن أمثلته: ما يقع في المستنقعات، والبرك إذا طال بقاء الماء فيها، واستدلوا بما ثبت في صحيح البخاري عنه عليه الصلاة والسلام: [أنه توضَّأَ مِنْ بِئرٍ كان ماؤُه نُقَاعةَ الحِنّا] وليس هناك فرق بين أن يكون التغيّر بسبب طول المكث في الأرض كالمستنقعات، والبرك، أو يكون بسبب طول المكث في الآنية مثل القرب، وأواني النحاس، وفي زماننا إذا طال مكث الماء في خزانات المياه، أو المواصير فلا يؤثر، وجعله العلماء رحمهم الله تغيّراً يشق الإحتراز منه أشبه التغيّر بمنبعه.

قوله رحمه الله: [أو بما يَشُقُّ صَونُ الماءِ عَنْه] أي تغيّر بشيء يصعب صون الماء عنه فالتعبير بالمشقة الموجبة لصعوبة الشيء يستلزم ما هو أعلى منها من باب أولى، وأحرى، وهو المتعذر، فهذه الصورة موجبة للرخصة وسقوط المؤاخذة، فلا يؤثر فيها التغيّر فالقاعدة: (أنّ الأمرَ إذا ضاقَ إِتسع) فإذا كان في الماء نابت فيه كالطُّحلب البحري الذي يوجد في المستنقعات، والبحيرات، والبرك، أو تغيّر بورق شجر يسقط فيه كما يقع في البساتين حيث تسقط أوراقها، ثم تحركها الرياح إلى أفواه الآبار، فتسقط فيها، فتغيّر طعم الماء، أو تحركها إلى البرك، والمستنقعات الموجودة داخل البساتين، أو الغابات فجميع ذلك يشقُّ صون الماء عنه، ولا يؤثر تغيّر الماء به.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير