وقال أبو محمد المقدسي: لا أعلم لما ذهب إليه الأئمة وجهاً، وهو كما قال رحمه الله فإن التحديد بذلك ليس ثابتاً بنص ولا إجماع ولا قياس وعامة هؤلاء يفرقون بين السفر الطويل والقصير، ويجعلون ذلك حداً للسفر الطويل، ومنهم من لا يُسمى سفراً إلا ما بلغ هذا الحد، وما دون ذلك لا يسميه سفراً ...
إلى أن قال:
" كل اسم ليس له حدٌّ في اللغة ولا في الشرع فالمرجع فيه إلى العرف، فما كان سفراً في عرف الناس فهو السفر الذي علّق به الشارع الحكيم، وذلك مثل سفر أهل مكة إلى عرفة فإنّ هذه المسافة بريد، وهذا سفر ثبت فيه جواز القصر والجمع بالسُنّة.
والبريد هو نصف يوم يسير الإبل والأقدام .. "
تعريفُ المَحْرَم لغة واصطلاحاً:
تعريفه لغة:
قال في مختار الصحاح (1/ 56): المَحْرَمُ: الحَرَاْمُ ويقال: هو ذو مَحْرَم منها: إذا لم يحل له نكاحها:
تعريفه اصطلاحاً:
وقال ابنُ الأثير: " ذو المَحْرم: من لا يحل له نكاحها من الأقارب وكالأب والابن والأخ والعم ومن يجري مجراهم " [النهاية: 1/ 377]
وقال ابنُ قُدامة: " المَحرمُ: زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح كأبيها وابنها وأخيها من نسب أو رضاع " [المغني: 2/ 32]
وقال الحافظ: محرمُ المرأة: من حُرم عليه نكاحها على التأبيد إلا أمّ الموطوءة بشبهة، والمُلاعنة، فإنهما حرامان على التأبيد، ولا محرمية هناك، وكذا أمهات المؤمنين، وأخرجهن بعضهم بقوله في التعريف بسبب مباح، لا لحرمتها، وخرج بقيد التأبيد أخت المرأة وعمتها وخالتها وبنتها إذا عقد مع الأم ولم يدخل بها "
[الفتح: 9/ 332]
وقال ابن باز: " المَحْرَمُ: هو الرجل الذي تَحْرُمُ عليه المرأة بنسب كأبيها وأخيها أو بسبب مباح كالزوج وأبي الزوج وابن الزوج، والابن من الرضاع والأخ من الرضاع ونحوهم) [الفتاوى: 8/ 336] [مجلة الدعوة عدد 1497.
حكم سفر المرأة بلا محرم:
نقل بعضُهم أنه لا خلاف بين أهل العلم في تحريم سفر المرأة بلا محرم إلا أنهم اختلفوا في سفرها للحج إذا أمنت الطريق ووجدت الرفقة من النساء المأمونات.
قال القاضي عياض: " اتفق العلماء على أنّه ليس لها أن تخرج غير الحج والعمرة، إلا العجزة من دار الحرب فاتفقوا أنّ عليها أن تهاجر منها إلى دار الإسلام وإن لم يكن معها محرم " (الفتح الرباني ص 170).
وقال البغوي فيما نقله عن ابن حجر في فتحه (4/ 76): " لم يختلفوا في أنّه ليس للمرأة السفر في غير الفرض إلا مع زوج أو محرم إلا كافرة أسلمت في دار الحرب أو أسيرة تخلصت "
وقد عدّ ابنُ حجر الهيثمي سفر المرأة وحدها بطريق تخاف فيه على بُضعها من الكبائر فقال:
" الكبيرةُ المائة: سفرُ المرأة وحدها بطريق تخاف فيه على بضعها .. ثم قال: تنبيه: عدُّ هذا بالقيد الذي ذكرته ظاهر لعظيم المفسدة التي تترتب على ذلك غالباً، وهي استيلاء الفجرة وفسوقهم بها فهو وسيلة إلى الزنا، وللوسائل حكم المقاصد، وأما الحُرمة فلا تتقيد بذلك، بل يحرم عليها السفر مع غير المحرم وإن قصر السفر، وكان أمناً، ولو لطاعة كنفل الحج أو العمرة ولو مع النساء من التنعيم، وعلى هذا يحمل عدهم ذلك من الصغائر " [الزواجر 1/ 150]
وقال الشيخ بكر أبو زيد في الحراسة ص 85: " ومن الأحكام: تحريم سفر المرأة بلا محرم، والأحاديث فيه متواترة معلومة "
قلت: ورغم ما نقله القاضي عياض والبغوي من الإجماع على تحريم سفر المرأة بلا محرم إلا إن المسألة لا تخلو من خلاف هذا ملخصه:
القول الأول:
ذهب أبو حنيفة وأحمد والشافعي وجماهير أصحابه إلى تحريم السفر بلا محرم في كل سفر مباح أو حج تطوع أو نحوهما إلا أنّ أبا حنيفة يشترط المحرم في السفر الطويل لا القصير وهو ما كان مسيرة ثلاثة أيام إلا أنّه قيده بالحاجة.
وعن أبي حنيفة وأبي يوسف كراهية خروجها وحدها مسيرة يوم واحد قال ابن عابدين: وينبغي أن يكون الفتوى عليه لفساد الزمان ويؤيده حديث الصحيحين: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها))
وفي لفظ مسلم ((مسيرة ليلة)) وفي لفظ " يوم " ينظر الحاشية (2/ 465)
¥