قلت: وحجةُ الحنفية في التفريق بين السفر الطويل والقصير ذكرها الحافظ في الفتح (4/ 75): " وحجتُهم أنّ المنع المقيد بالثلاث متحقق، وما عداه مشكوك فيه، فيؤخذ بالمتيقن ..
ثم أجاب الحافظ عن هذه الحجة فقال: " ونوقض بأنّ الرواية المطلقة شاكلة لكل سفر فينبغي الأخذ بها وطرح ما عداها فإنّه مشكوك فيه، ومن قواعد الحنفية تقديم الخبر العام على الخاص وترك حمل المطلق على المقيد، وقد خالفوا ذلك هنا "
وقال النووي في المجموع (8/ 341): " قالوا – أي الشافعية – فإن كان الحج تطوعاً، لم يجز أن تخرج فيه إلا مع محرم، وكذا السفر المباح، كسفر الزيارة والتجارة، لا يجوز خروجها في شيء من ذلك إلا مع محرم أو زوج ..
قال الشيخ أبو حامد – في تعليقه – لا يجوز لها الخروج في حج التطوع إلا مع محرم، نصّ عليه الشافعي في كتاب العدد من الأم، فقال لا يجوز الخروج في حج التطوع إلا مع محرم ..
قلت: وقد قرر النووي – رحمه الله - أنّ الصحيح من مذهب الشافعية أنّه لا يجوز للمرأة السفر لغير الحج الواجب إلا بمحرم، ينظر: المجموع (8/ 343).
ونقل عن الحافظ في الفتح (4/ 75): " وقال النووي: كل ما يُسمّى سفراً فالمرأة منهية عنه إلا بالمحرم "
أدلةُ تحريم سَفَرِ المرأةِ بلا مَحْرَم:
دلّت الأحاديثُ الكثيرة الصحيحةُ الصريحةُ على تحريم سفر المرأة بلا محرم، صيانة لها من الأخطار، وحفظاً لها من الأضرار ورغبة في سلامتها، ورعايتها سيما في هذه الأزمان المتأخرة التي كثرت فيها الشرور، وعمّت خلالها نوائب الدهور والعصور.
ومن هذه الأدلة:
1/ عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً، إلا ومعها أبوها، أو ابنها، أو زوجها، أو أخوها، أو ذو محرم منها)) [مسلم: 1339].
2/ عن أبي هريرة رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر ميسرة يوم إلا مع ذي محرم)) [البخاري:] [مسلم: 1339].
3/ عن قَزَعة مولى زياد قال: سمعت أبا سعيد – وقد غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثنتى عشرة غزوة قال: ((أربع سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال يحدثهن عن النبي صلى الله عليه وسلم فأعجبتني وآنقنني: أن لا تسافر امرأة مسيرة يومين ليس معها زوجها أو ذو محرم، ولا صوم يومين: الفطر والأضحى، ولا صلاة بعد صلاتين بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجدي، ومسجد الأقصى)) [البخاري: 1864] [مسلم: 827].
عن ابن عمر رضي الله عنهما: " أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم)) [البخاري: 1036] [مسلم: 1338].
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو محرمة منها)). [مسلم: 1339].
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم))، فقال رجل: يا رسول الله إنّي أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا، وامرأة تريد الحج فقال: " اخرج معها)) [البخاري: 1862] [مسلم: 1341]
ولفظ مسلم: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)) فقام رجل فقال يا رسول الله إنّ امرأتي خرجت حاجّة، وإنّي اكتتبت في غزوة كذا وكذا قال: ((انطلق فحج مع امرأتك)).
قال الحافظ في الفتح (4/ 75): " وقد عمل أكثر العلماء في هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقييدات .. وقال ابن المنير: وقع الاختلاف في مواطن بحسب السائلين "
أقوال المبيحين لها في الخروج بلا محرم بشروط:
قال النووي في المجموع (8/ 341): " قال الماوردي: ومن أصحابنا – أي الشافعية – من جوّز خروجها مع نساء ثقات كسفرها للحج الواجب، قال: وهذا خلاف نص الشافعي:
¥