ب – وعن عمرو بن ميمون أيضاً قال: سألت عبد الله بن عمر عن المشعر الحرام؟ فقال: إذا انطلقت معي أعملتكه. قال: فانطلقت معه فوقفنا حتى إذا أفاض الإمام سار وسرنا معه حتى إذا هبطت أيدي الركاب، وكنا في أقصى الجبال مما يلي عرفات. قال: أين السائل عن المشعر الحرام!؟ أخذت فيه. قلت: ما أخذت فيه! َ
قال: كلها مشاعر إلى أقصى الحرم.
وجه الدلالة:
في هذين الأثرين دلالة صريحة وواضحة أن المشعر الحرام يبدأ مباشرة بعد الخروج والإفاضة من عرفات ودخول منطقة الحرم بلا فاصل من مسافة الله إلا أن يكون وادي عرنة فحسب، ومما يدل على هذا من الأثرين السابقين ما يلي:
الوجه الأول:
قوله في الأثر:" هبطت أيدي الركاب في أدنى الجبال" ومعنى "أدنى" أي أقرب وهذا الدنو والقرب بالنسبة للمتكلم الخارج من عرفات. وهذا كقوله تعالى في الأنفال: {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ
} [الأنفال:42].فلما عسكر المسلمون يوم بدر كانوا بالعدوة الدنيا أي القريبة وذلك بالنسبة للقادم من المدينة. قال الإمام القرطبي: " فالدنيا مما يلي المدينة، والقصوى مما يلي مكة".
" فالدنيا مما يلي المدينة، والقصوى مما يلي مكة ".
فدل هذا على أن قول عمرو بن ميمون "في أدنى الجبال" أي مما يلي الخارج من عرفة. ويؤيده قوله في الأثر الثاني "وكنا في أقصى الجبال مما يلي عرفات" فلما استخدم هنا كلمة "أقصى" حتى لا يفهم أطراف الجبال البعيدة عن عرفة التي مما يلي منى ومكة أضاف هنا كلمة مما يلي عرفات أي أطراف الجبال المباشرة لعرفات المستقبلة لها. وتكون هذه الأطراف هي المستقبلة والمباشرة للخارج من عرفات.
ومن المعلوم طبيعة أن الخارج من عرفات في الإفاضة يكون اتجاهه من الشرق إلى الغرب فبمجرد ما يخرج من حدود عرفات ويتجاوز بطن وادي عرنة تستقبله أجبل صغيرة أطرافها محاذية للوادي. فعندما قطع ابن عمر ومن معه الوادي وأفاضت بهم ركائبهم أطراف هذه الجبال قال ابن عمر لعمرو بن ميمون: أين السائل عن المشعر الحرام؟ قال: ها أنا. قال: أنت فيه أو أخذت فيه.
الوجه الثاني:
أن المشعر الحرام جمع وصفين. الوصف الأول: أنه مشعر. والوصف الثاني: حرام أي من الحرم.
ومعلوم أن عرفات حِلٌ وليست حرماً، ولكنها مشعر اختارها الله لذلك وهي من إرث إبراهيم الخليل عليه السلام ووقف بها سيد الرسل محمد صلى الله عليه وسلم وبعد عرفات يأتي الوادي "وادي عرنة" وهو حل ليس بحرم ولا مشعر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ارفعوا عن بطن عرنة".
ويأتي بعد الوادي مباشرة ما يجمع الوصفين أنه مشعر وحرم "المشعر الحرام" وهذا الذي أفتى به ابن عمر عمرو ابن ميمون. فتأمل ذلك تجده واضحاً.
الوجه الثالث:
قول الصحابي عبد الله بن عمر لعمرو بن ميمون "أخذت فيه" أي ابتدأت في المشعر الحرام فهذا أوله ويستمر إلى حدود منى.
الوجه الرابع:
استغراب السائل عمرو بن ميمون، وأظهر استغرابه بقوله: " ما أخذت فيه"! وهذا الاستغراب منشأه سرعة إجابة ابن عمر له بمجرد ما خرجوا من عرفات وقطعوا الوادي. قال له: أخذتُ فيه. ولا وجه لهذا الاستغراب عندي إلا ما ذُكر.
ويؤيد ما تقدم أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان ينكر ازدحام الناس على جُبيل صغير وسط مزدلفة يسمى "قزحاً" ويُخبر ويفتي أن المزدلفة هي المشعر الحرام كله على ما تقدم بيانه وإليك بعض الآثار عنه في ذلك:
- عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر أنه قال: "المشعر الحرام: المزدلفة كلها".
- رأى عبد الله بن عمر الناس يزدحمون على الجبيل بجمع. فقال: أيها الناس إن جمعاً كلها مشعر.
-رأى ابن عمر الناس يزدحمون على قُزح. فقال: علام يزدحم هؤلاء! كل ما ههنا مشعر.
2 – عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما:
¥