تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(وأما أبوالوليد الأزرقي مؤرخ مكة. فلم نر شهادة أي معاصر له، ولم يرها قبلنا الفاسي على سعة اطلاعه، ولذلك يقول في "العقد الثمين": لم أر من ترجمة، وإني لأعجب من ذلك. وأما الذين لم يعاصروه فأقدم من رأيناه تعرض له منهم ابن النديم صاحب "الفهرست" قال فيه بعد ذكر نسبه: أحد الأخباريين وأصحاب السير، وله من الكتب "كتاب مكة" وأخبارها وجبالها وأوديتها كتاب كبير. أهـ. وهذا لا يغني شيئًا؛ لأمرين:

"أحدهما": أن الغالب على الأخباريين والسيريين عدم الاعتناء بالروايات، وفي ذلك يقول الحافظ العراقي في "ألفية السيرة":

وليعلم الطالب أن السيرا تجمع ما صح وما قد أنكرا

"الثاني": أن "ابن النديم" قال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان": هو غير موثوق به، ومصنفه المذكور يعني "الفهرست" ينادي على مصنفه بالاعتزال والزيغ، نسأل الله السلامة، ثم قال الحافظ: لما طلعت كتابه ظهر لي أنه رافضي معتزلي؛ فإنه يسمى أهل السنة الحشوبة، ويسمى الأشاعرة المجبرة، ويسمى كل من لم يكن شيعيًا عاميًا، وذكر في ترجمة الشافعي شيئًا مختلقًا ظاهر الافتراء. أهـ. ومراد الحافظ بذلك الشيء المختلق الظاهر الافتراء قول ابن النديم في "الفهرست" ص294 - 295: بخطه يعني أبا القاسم الحجازي أيضًا: قرأت، قال ظهر رجل من بني أبي لهب بناحية المغرب، فحمل إلى هارون الرشيد ومعه الشافعي، فقال الرشيد للهبي: سمت بك نفسك إلى هذا. قال: وأي الرجلين كان أعلى ذكرًا وأعظم قدرًا جدي أم جدك، أنت ليس تعرف قصة جدك وما كان من أمره، وأسمعه كل ما كره لأنه استيل. قال فأمر بحبسه، ثم قال للشافعي: ما حملك على الخروج معه، قال: أنا رجل أملقت وخرجت أضرب في البلاد طلبًا للفضل، فصحبته لذلك، فاستوهبه الفضل بن الربيع فوهبه، فأقام بمدينة السلام مدة، فحدثنا محمد ابن شجاع الثلجي قال كان يمر بنا في زي المغنين على حمار وعليه رداءً محشًا وشعره مجعد. ثم وصف ابن النديم الشافعي بشدة التشيع، وذكر حكاية عن آخرين من نوع الإفتراء الذي ذكر أولا.

ثم بعد ابن النديم الحافظ عبدالكريم بن محمد السمعاني صاحب كتاب "الأنساب" قال في "الأنساب": الأزرقي هو أبوالوليد محمد بن عبدالله بن أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي صاحب كتاب "أخبار مكة" وأحسن في تصنيف ذلك الكتاب غاية الإحسان، روى عن جده ومحمد بن يحيى بن أبي عمر العدني وغيرهما، روى عنه أبو محمد إسحاق بن أحمد بن نافع الخزاعي أهـ. وليس في هذا كبير فائدة من ناحية ترجمة أبي الوليد الأزرقي؛ لأن في إمكان كل من نظر في كتابه "أخبار مكة" أن يتحصل على مشايخه وعلى من روى ذلك الكتاب عنه؛ لأن جميع ذلك موجود في أخبار مكة، ومجرد كلمة روى فلان عن فلان، وروى عنه فلان، وأخرج له فلان: لا يروي الغلة، ولا يشفي العلة، كما بينها الحافظ ابن حجر العسقلاني في مقدمة كتابه: "تهذيب التهذيب".

وأما ثناء السمعاني على كتاب "أخبار مكة" فلا يوصله إلى درجة تقديم ما فيه على ما في مصنفات الإمامين الشهيرين: عبدالرزاق وابن أبي حاتم

ثم بعد ابن السمعاني الإمام النووي قال في الكلام على حجر إسماعيل عليه السلام: قد وصفه الإمام أبوالوليد الأزرق في "تاريخ مكة" فأحسن وأجاد. وقد بحثنا عن قول النووي هذا فوجدناه يعتقد في مؤرخ مكة أنه هو جده الإمام أحمد بن محمد ابن الوليد الأزرقي، بدليل قوله في "المجموع" ج7 ص464 بعد ذكر حدود الحرم: هكذا ذكر هذه الحدود أبوالوليد الأزرقي () في كتاب مكة، وأبوالوليد هذا أحد أصحاب الشافعي الآخذين عنه الذين رووا عنه الحديث والفقه. وقد نبه العلامة الفاسي في "العقد الثمين" على وهم الإمام النووي في هذا، قال: وهم النووي في قوله في "شرح المهذب" بعد أن ذكر في حدود الحرم نقلا عن "أبي الوليد الأزرقي" هذا: أنه أخذ عن الشافعي وصحبه وروي عنه، وإنما كان ذلك وهمًا لأمرين. أحدهما أن الذين صنفوا في طبقات الفقهاء الشافعية لم يذكروا في أصحاب الشافعي إلا أحمد بن محمد بن الوليد جد أبي الوليد هذا. والأمر الثاني أو أن أبا الوليد هذا روى عن الإمام الشافعي لأخرج عنه في تاريخه، لما له من الجلالة والعظمة كما أخرج عن جده وابن أبي عمر العدني وإبراهيم بن محمد الشافعي ابن عم الإمام الشافعي. ثم قال الفاسي: والسبب الذي أوقع النووي في هذا الوهم أن أحمد الأزرقي جد أبي الوليد هذا يكنى بأبي الوليد فظنه النووي هو، والله أعلم. وإنما نبهت على ذلك لئلا يغتر بكلام النووي فإنه ممن يعتمد عليه، وهذا مما لا ريب فيه. أهـ)

فالمقصود أن رواياتهم لايحتج بها في الأحكام الشرعية وخاصة هنا عند وجود الخلاف بين الرواة.

ثانيا: رواية إسرائيل عن جده مقدمة على رواية عمار الدهني وقد وافقه عليها كلا من شعبة وزكريا بن أبي زائدة، وكان الحفاظ يقدمون إسرائيل في حديث جده أبي إسحق على تفصيل في ذلك.

ثالثا: أن بعض الروايات صرحت بأن عبدالله بن عمرو إنما قال ذلك بعد دخوله للمزدلفة أي بعد أن وصل للجبال التي بعد الحبال، وهي ما تسمى بجبال الأخشبين أو المأزمين لأن ما قبلها حبال وهي أقل من الجبال، وسيأتي فيما بعد إن شاء الله تعالى تفصيل ذلك.

رابعا: أن بداية الحرم من جهة عرفة تدخل فيه أجزاء من عرنة وهي ليست من مزدلفة، وقد سبق بيان ذلك، فلو قلنا بهذه الرواية لجعلنا أجزاء من عرنة داخلة في المشعر الحرام.

يتبع إن شاء الله تعالى ...

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير