وليعلم أن الإنسان ليس بالخيار بين أن يقوم بالواجب أو يفدي عنه، ليس بالخيار؛ ولكنه إذا ترك الواجب نقول له: اذبح فدية. أما أن نقول له: أنت بالخيار. معناه يمكن الواحد يحج يقف في عرفة ويطوف وخلاص، ويقول: أذبح عن المبيت في مزدلفة، عن المبيت في منى، عن رمي الجمار وأمشي.
الشرط الرابع لكون الحج مبرورا: أن يتجنّب فيه المحظور لقوله تَعَالى?: ?فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ? [البقرة:197]، ومن ذلك أن لا تحج المرأة إلا بمحرم، فإن حجّت بغير محرم لم يكن حجها مبرورا؛ بل قال بعض العلماء: لم يكن حجها مقبولا؛ لأنّ هـ?ذا السفر سفر محرم. والمحرم لا يكون ظرفا لعبادة صحيحة، فهي كالزمن المغصوب بالنسبة لها.
هل يشترط أن يكون الإنسان فيه أشعث أغبر؟ لا يشترط، ولكن هل يشترط أن لا يزيل الإنسان عنه الشعث والغبر، يعني هل يشترط أن الإنسان إذا أصابه الشعث والغبر، لا يزيله؟ ليس بشرط، ولهذا ثبت عن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ كان يغتسل وهو محرم، ومعلوم أنه لم يغتسل من جنابة وهو محرم، وهـ?ذا يدل على أنه ليس من شرط المبرور أن يكون الإنسان أشعث أغبر، وأن الإنسان لو تنظّف فلا حرج عليه.
هل يشترط للحج المبرور أن لا يستعمل ما فيه الرّفه من مبردات، وماء بارد، وسيارة مريحة أو لا؟ الظاهر أنه لا يشترط، وأنه لا حرج على الإنسان أن يستعمل ما يريحه، وإن كان بعض الناس يقول: الأفضل أن لا يتعرّض لمثل هـ?ذه الرفاهية؛ لأنه قد يكون للشارع غرض في أن يكون الإنسان خشنا؛ ولهذا يباهي الله بالواقفين بعرفة الملائكة يقول: ((أتوني شعثا غبرا ضاحين)).
إذن الشروط التي يجب أن تتوفر في كون الحج مبرورا أربعة.
في هـ?ذا الحديث الترغيب في العمرة والحج، هـ?ذا من فوائده.
ومن فوائده أن الحج أفضل من العمرة، وقد ثبت في حديث مرسل أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمّى العمرة حجا أصغر، حديث عمرو بن حزم المشهور أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سماها الحج الأصغر.
من فوائد الحديث الحث على إكثار العمرة، يؤخذ من قوله: ((اَلْعُمْرَةُ إِلَى اَلْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا)).
ولكن هل معنى ذلك أن الإنسان يتردّد إلى الْحِل وهو بمكة ليأتي بعمرة؟ لا، لأن سنّة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التّركية كسنته الفعلية.
فإذا كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يفعل بذلك هو بنفسه، مع تمكنه من هـ?ذا وتوفره له، عُلم أنه ليس بمشروع.
في غزوة الفتح، متى دخل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة فاتحا؟ في اليوم العشرين من رمضان، وصفّى ما يتعلق بالفتح خلال أربعة أيام، وبقي عليه ستة أيام وهو في مكة قبل أن ينتهي شهر رمضان، وبإمكانه وبكل سهولة أن يخرج إلى التنعيم ويأتي بعمرة، وهل فعل؟ ما فعل.
إذن كيف من المشروع وأنا في مكة أن أخرج إلى التنعيم لآتي بعمرة، حتى لو بقيت بعد قدومي إلى مكة شهرا أو شهرين، فليس من المشروع أن أخرج إلى التنعيم أو إلى غيره من الحل لآتي بعمرة.
متى اعتمر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ اعتمر لما رجع من غزوة الطائف، ونزل بالجعرَّانة ليقسم الغنائم، دخل مكة ليلا واعتمر، وخرج من فوره، ما بقي، ولهذا خفيت هـ?ذه العمرة على كثير من الناس، فلم يعدّوها في عُمَرِ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
على كل حال أقول: إنّ ((اَلْعُمْرَةُ إِلَى اَلْعُمْرَةِ)) لا تدل على أنه ينبغي للإنسان وهو بمكة أن يكثر من التردد إلى الحل ليأتي بعمرة؛ لماذا؟ لأن السنة التركية كالسنة الفعلية، وما دام أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يفعل ذلك دلّ هـ?ذا على أنه ليس بمشروع.
فإن قلت: أليس قد أذن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة أن تخرج إلى التنعيم وتأتي بعمرة؟
نقول: من كان على مثل حالها استحببنا له أن يفعل، أو على الأقل أبحنا له أن يفعل، وإلا فلا.
¥