تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ) وثبت في حديث الصحيحين أيضا أن الله هو الذي حرّم مكة، ولا تعارض بين الحديثين؛ لأن المحرِّم هو الله وإبراهيم مبلغ، فنُسب التحريم إلى إبراهيم باعتبار التبليغ، ونُسب إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى? لأنه منشئ الأحكام.

فيكون الله هو الذي حرمها وإبراهيم بلّغ التحريم وأظهره.

ويقول إنه: (وَدَعَا لأَهْلِهَا) دعا لأهلها بالبركة في سورة البقرة ?وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ? [البقرة:126]، ?وَمَن كَفَرَ? معطوفة على ?مَنْ آمَنَ? فيكون الله عز وجل أعطى إبراهيم أكثر مما سأل، لأن إبراهيم قال: ?وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ?، فقال تَعَالى?: ?وَمَن كَفَرَ?، أتدرون لماذا قال إبراهيم: ?مَنْ آمَنَ?؟ تأدبا مع الله؛ لأنه قال قبل ذلك: ?قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) ? [البقرة:124]، الله أعطاه عهده لكن استثنى الظالمين من ذريته، فتأدب في الدعوة مع الله وقال: ?وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ? ولكن الله عز وجل عمّم، ففي الأولى الله خص دعاءه وفي الثانية عمم وأعطاه أكثر مما سأل، قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالى?: ?وَمَن كَفَرَ? لكن قال: ?فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) ? [البقرة:126]، نسأل الله العافية.

المهم أن إبراهيم دعا لأهل مكة، ونبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا لأهل المدينة بمثل ما دعا به إبراهيم، (وَإِنِّي حَرَّمْتُ اَلْمَدِينَةَ [بمثل])، الشاهد في ه?ذا قوله: (إِنِّي حَرَّمْتُ اَلْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ)، وه?ذا تشبيه لأصل التحريم بأصل التحريم؛ وذلك لأن تحريم مكة أشد وأشمل؛ لأن حرم المدينة يستثنى منه أشياء هي حلال وهي في حرم مكة حرام، فيكون تشبيهنا في أصل التحريم لا في وصفه؛ فإن حرم المدينة فيه أشياء تحل ولا تحل في حرم مكة.

وحرم المدينة يكون من عير إلى ثور وعير وثور جبلان معروفان في المدينة، قال العلماء: والمسافة -أي مسافة حرم المدينة- بريد في بريد. والبريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، فيكون البريد اثنا عشر ميلا في اثني عشر ميلا، والميل كيلو ونصف تقريبا أو كليو وستة من عشرة، ثمانية عشرة كيلو وزيادة، الكلام على المسافة بريد في بريد.

فوائد الحديث:

أولا نسبة الشيء إلى من بلّغه لقوله: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ)، ومثله أن الله نسب القرآن إلى جبريل ونسبه أيضا إلى محمد عَلَيْهِما الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، قال تَعَالى?: ?إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) ? [التكوير:19 - 20]، فنسبه هنا إلى جبريل، وقال تَعَالى?: ?إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ? [الحاقة:40 - 41]، فنسبه إلى محمد، فنسبة الشيء إلى المبلغ سائغة شرعا ولغة.

ومن فوائد الحديث أيضا رحمة هذين الرسولين بأهل هاتين البلدتين وشفقتهما على أهلهما؛ فإبراهيم دعا لأهل مكة ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا لأهل المدينة.

ومن فوائده ثبوت الحرم في المدينة لقوله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: (وَإِنِّي حَرَّمْتُ اَلْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ).

ومنها أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خصّ الدعوة للمدينة بالمد والصاع، وهو الطعام الذي يقدّر بالأصواع والأمداد، وه?ذا لا يستلزم أنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ دعا بكل شيء، إنما دعا بالطعام ولذلك نجد أن الطعام في المدينة يكون دائما متوفرا ويكون أيضا مباركا في زرعه وجنيه.

ومن فوائد الحديث الثاني -حديث علي بن أبي طالب- بيان حد حرم المدينة وأنه ما بين عير إلى ثور.

انتهى هذا الباب ويليه باب دخول مكة

ـ[سالم الجزائري]ــــــــ[26 - 11 - 07, 02:09 ص]ـ

بَابُ صِفَةِ اَلْحَجِّ وَدُخُولِ مَكَّةَ [الشرح]

نقول: من شروط العبادة الإخلاص لله والمتابعة للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهما الركنان الأساسيان في كل عبادة، فلا تقبل عبادة بشرك ولا تقبل عبادة ببدعة، البدعة تنافي الاتباع، والشرك نافي الإخلاص.

ومن ثمة احتاج العلماء رحمهم الله إلى بيان صفات العبادات فبيّنوا: صفة الوضوء، صفة الصلاة، صفة الصيام، صفة الزكاة .. وغير ذلك حتى يعبد الناسُ اللهَ عز وجل على شريعة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وقول المؤلف: (وَدُخُولِ مَكَّةَ) يعني:

• كيف يدخل مكة؟

• ومن أين يدخل مكة؟

• ومتى يدخل مكة؟

ثلاثة أشياء كيف يدخلها، ومن أين، وفي أي وقت؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير