وَعَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا, عَنِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَيْسَ عَلَى اَلنِّسَاءِ حَلْقٌ, وَإِنَّمَا يُقَصِّرْنَ)) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
[الشرح]
الحديث الأول وإن كان في إسناده ضعف إلا أن يؤيده الحديث الثابت في الصحيحين الذي سنذكره إن شاء الله، يقول: (إِذَا رَمَيْتُمْ) يعني رمى جمرة العقبة يوم العيد، (وَحَلَقْتُمْ) وكذلك لو قصر الإنسان فهو بدل عن الحلق، (فَقَدَ حَلَّ لَكُمْ اَلطِّيبُ وَكُلُّ شَيْءٍ إِلاَّ اَلنِّسَاءَ)، الطيب يعني ما يتطيب به الإنسان من دهن أو بخور أو غيره، (وَكُلُّ شَيْءٍ) يعني من محظورات الإحرام؛ يعني ليس كل شيء محرم؛ لأن الحل لا يحل كل ما حرمه، إنما يحل المحظورات فقوله: (وَكُلُّ شَيْءٍ) يعني من محظورات الإحرام معروفة مثل: الطيب، والنساء، والصيد، حلق شعر الرأس، لبس السراويل والبرانس والعمائم والخفاف، والمرأة لبس القفازين، النقاب للمرأة، عقد النكاح الخطبة خطبة النكاح .. ه?ذه كلها تحل إلا النساء؛ قوله: (إِلاَّ اَلنِّسَاءَ) يعني ذلك كل ما يتعلق بالنساء من الجماع والمباشرة والنكاح والخطبة، كل ما يتعلق بالنساء فإنه لا يحل؛ لكن متى يحل؟ إذا طاف وسعى حل الحل كله وإن لم يرم.
في ه?ذا الحديث دليل على أن الإنسان إذا رمى وحلق حل من كل شيء إلا النساء، ه?ذا منطوق الحديث، مفهومه إذا حلق فقط أو رمى فقط فإنه لا يحل.
أما إذا حلق فقط فإنه لا يحل قولا واحدا، وأما إذا رمى فقط فظاهر الحديث أنه لا يحل وهو الصحيح، وقال بعض العلماء: إنه يحل، واستدل على أن الحديث روي من وجه آخر بسند أصح وهو قوله: ((إذا رميتم جمرة العقبة فقد حللتم من كل إلا النساء))، واستدلوا أيضا بأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قطع التلبية عند جمرة العقبة، وه?ذا يدل على أن شرع في التحلل وانتهى نسكه لأن التلبية تقال حتى ينتهي النسك.
ولكن القول الراجح ما دل عليه ه?ذا الحديث وإن كان ضعيفا فإنه يعضد بحديث عائشة الثابت في الصحيحين ((كنت أطيب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت)) فجهلت الطواف مباشرا للحل، وه?ذا يدل على أن الحلق كان سابقا للحل؛ لأنها جعلت دليل الحل هو الطواف.
إذن فالحلق سابق على الحل، وه?ذا يدل على أن لا حل إلا بعد الحلق، وه?ذا أصح لمثل ه?ذا الحديث، وللحديث الذي أشرنا إليه في الصحيحين، والذهاب إليه أولى لأنه أحوط، وكلما كان أحوط مع اشتباه الأدلة كان سلوكه أولى إن لم نقل أوجب لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) ولقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام))
ويستفاد من ه?ذا الحديث أن الطيب يحل بالتحلل الأول لقولها: (فَقَدَ حَلَّ لَكُمْ اَلطِّيبُ)، ولحديث الذي ثبت في الصحيحين: (كنت أطيب النبي لحله قبل أن يطوف بالبيت)، خلافا لقول بعض أهل العلم: إنه لا يحل له الطيب حتى يحل التحلل التام.
وفيه دليل على عظم محظور النساء وجهه أنه لا يحل النساء إلا بعد التحلل الكامل، بخلاف عيره من المحظورات.
فإن قلت: هل يشمل ه?ذا الصيد؟ فالجواب نعم يشمله، فيحل له الصيد.
فإن قلت: كيف يصيد وهو في منى، ومنى من الحرم، والحرم صيده حرام؟ فالجواب يمكن أن يخرج إلى عرفة، وعرفة من الحل ويصيد.
فهل يجوز أن يخرج من الحرم وهو لم يؤد النسك؟ الجواب: نعم لا مانع أن يخرج من الحرم وهو لم يؤد النسك؛ لأنه لا دليل من المنع.
أما الحديث الثاني ففيه دليل على أن النساء ليس عليهن حلق لقوله: (لَيْسَ عَلَى اَلنِّسَاءِ حَلْقٌ).
ومفهومه على الرجال الحلق وه?ذه الفائدة الثانية.
ويستفاد منه وجوب التقصير على النساء لقوله: (وَإِنَّمَا يُقَصِّرْنَ)؛ ولكن كيف تقصر؟ قال العلماء: تأخذ من كل ظفر من الظفائر التي عليها من الظفائر قدر أنملة. ما هي الأنملة؟ المفصل من الأصبع، إنما وجب عليها ذلك لأن لا يجتاح التقصير رأسها، والمرأة تحب أن يبقى رأسها لأنه جمال لها، فلو أمرت بالحلق أو بالتقصير الكبير لفات المقصود من تجملها وجمالها.
¥