? فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ? فإن لم يكن معه شيء -يعني أنه فقير- فالصحيح أنه لا شيء عليه خلافا لمن قال من أهل العلم: إنه يجب عليه أن يصوم عشرة أيام قياسا على هدي التمتع، وذلك لأن الفرق بينهما ظاهر فإن الهدي فإن هدي الإحصار عن عدم إتمام النسك، وأما هدي التمتع فهو كالشكر على إتمام النسك، لأن الإنسان يتم له فيه تمتع عمرة وحج، فبينهما فرق، فلا يمكن أن يقاس أحدهما على الآخر.
ولهذا لم يأمر النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ أحدا من الصحابة أن يصوم مع أن كثيرا من الصحابة فقراء ليس معهم هدي ولم يأمرهم بالهدي.
إذن نقول ه?ذا الحديث في من أحصر، إذا أحصر عن إتمام العمرة فإنه ينحر الهدي إن كان معه، ويشتريه إن لم يكن، ثم ينحره ثم يحلق امتثالا لأمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإقتداءً بفعله.
نأخذ من ه?ذا الحديث فوائد:
أولا جواز التحلل عند الحصر؛ لأن الحلق علامة التحلل؛ ولكن ما هو الحصر الذي يبيح التحلل؟ هل هو كل حصر أو الحصر بالعدو خاصة؟
في ه?ذا خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال إن المراد به حصر العدو فقط؛ يعني إذا حصره عدو -منعه من وصول البيت- فإنه يتحلل، واستدل بأن الآية نزلت بسبب حصرهم بالحديبية استدلالا بقوله: ?فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ? [البقرة:196]، والأمن ضد الخوف وعلى ه?ذا فقوله: ?إِنْ أُحْصِرْتُمْ? وإن كان مطلقا غير مقيد يقيّده السياق ويقيّده السبب الذي نزلت فيه الآية.
فإذا أحصر بعدو منعه عن الوصول إلي البيت فإنه يفعل كما أمه النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ وكما عل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أما إذا أحصر بمرض فإنه لا يتحلل؛ بل يبقى على إحرامه حتى يُشفى ثم يُنهي نسكه، فلو أن أحدا مُرض وقد أحرم بعمرة فإننا نقول: لا تتحلل تبقى محرما حتى يشفيك الله عز وجل، ثم تقضي؛ يعني تكمل العمرة، وكذلك لو كُسر الإنسان، إنسان أحرم بالعمرة ثم صار عليه حادث وانكسر وهو يعرف أنه لن يتمكن من قضاء أو من إتمام العمرة إلا بد شهرين أو ثلاثة، فإنه يبقى على ه?ذا القول -على قول من يخصون الحصر بالعدو- يبقى محرما إلى أن يبرى.
والقول الثاني في المسألة أن الحصر عام، وأن كل إنسان حصر عن إتمام نسكه فإنه يحل منه إن شاء لإطلاق الآية ?فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ?، وأما تفريع حكمه فيختص ببعض أفراد ه?ذا المطلق فإنه لا يدل على التخصيص، وكذلك السبب لا يدل على التخصيص؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ثم على فرض أن الحصر بغير العدو لا تتناوله الآية بلفظها فإنها تتناوله بمعناها؛ بجامع أن في حصر العدو منعا من النسك وكذلك في حصر المرض والكسر وما أشبه ذلك، فيُلحق به من باب القياس على فرض أن اللفظ لا يشمله، وه?ذا القول هو الراجح أن الحصر عام، فإذا حُصر الإنسان، قلنا: انحر هديا واحلق الرأس.
وفي ه?ذا دليل على وجوب حلق الرأس ووجوب الهدي:
أما الهدي فإنه بنص القرآن ?فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ?.
وأما الحلق فإنه بالسنة أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يحلقوا.
وقد يقول قائل: إن في القرآن إشارة إليه وهو قوله: ?وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ? وعلى ه?ذا يدل على أن الحلق مشهور؛ لكن ثبت في السنة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر أصحابه بذلك.
وعلى ه?ذا يكون الهدي واجبا وكذلك الحلق.
فإن قصر أجزأ أو لا؟ اجزأ، فإن خالف الترتيب؟ فالظاهر أن ه?ذا ليس بجائز لقوله: ?وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ?، ولم يرد الترخيص في التنكيس إلا في الأنساك في يوم العيد.
ـ[سالم الجزائري]ــــــــ[26 - 11 - 07, 11:49 م]ـ
[الحديث الثاني والخمسون والثالث والخمسون]
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ فَقَدَ حَلَّ لَكُمْ اَلطِّيبُ وَكُلُّ شَيْءٍ إِلاَّ اَلنِّسَاءَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَأَبُو دَاوُدَ, وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ.
¥