تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قوله صلى الله عليه وسلم لأبي النعمان بن بشير وقد خص ابنه بالنحل: أتحب أن يكونوا في البر سواء كيف تجده متضمناً لبيان الوصف الداعي إلى شرع التسوية بين الأولاد وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض. فكما أنك تحب أن يستووا في برك، وأن لا ينفرد أحدهم ببرك وتحرمه من الآخر. فكيف ينبغي أن تفرد أحدهما بالعطية وتحرمها الآخر؟ وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم لعمر وقد استأذنه في قتل حاطب فقال: وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، كيف تجده متضمناً لحكم القاعدة التي اختلف فيها أرباب الجدل والأصوليون، وهي: أن التعليل بالمانع هل يفتقر إلى قيام المقتضي؟ فعلل النبي صلى الله عليه وسلم عصمة دمه شهوده بدراً دون الإسلام العام، فدل على أن مقتضى قتله كان قد وجد وعارض سبب العصمة وهو الجس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن عارض هذا المقتضى مانع منع من تأثيره وهو شهوده بدراً. وقد سبق من الله مغفرته لمن شهدها. وعلى هذا فالحديث حجة لمن رأى قتل الجاسوس، لأنه ليس ممن شهد بدراً. وإنما امتنع قتل حاطب لشهوده بدراً.

ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعمر وقد سأله عن القبلة للصائم: فقال أرأيت لو تمضمضت الحديث فتحت هذا الغاء الأوصاف التي لا تأثير لها في الأحكام وتحته تشبيه الشيء بنظيره وبإلحاقه به. وكما أن الممنوع منه الصائم إنما هو الشرب لا مقدمته وهو وضع الماء في الفم، فكذلك الذي منع إنما هو الجماع لا مقدمته وهي القبلة. فتضمن الحديث قاعدتين عظيمتين كما ترى.

ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم، وقد سئل عن الحج عن الميت فقال للسائل: أرأيت لو كان عليه دين أكنت قاضيه، قال: نعم، قال فدين الله أحق بالقضاء فتضمن هذا الحديث بيان قياس الأولى. وأن دين المخلوق إذا كان يقبل الوفاء مع شحه وضيقه. فدين الواسع الكريم تعالى أحق بأن يقبل الوفاء. ففي هذا أن الحكم إذا ثبت في محل الأمر، وثم محل آخر أولى بذلك الحكم فهو أولى بثبوته فيه. ومقصود الشارع في دلك التنبيه على المعاني والأوصاف المقتضية لشرع الحكم والعلل المؤثرة. وإلا فما الفائدة في ذكر ذلك، والحكم ثابت بمجرد قوله. ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ألحق الولد في قصة وليدة زمعة بعبد بن زمعة عملا بالفراش القائم، وأمر سودة أن تحتجب منه عملاً بالشبه المعارض له فرتب على الوصفين حكميهما وجعله أخاً من وجه دون وجه.

وهذا من ألطف مسالك الفقه ولا يهتدي إليه إلا خواص أهل العلم والهم عن الله ورسوله. وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم في التشهد. وقد علمهم أن يقولوا: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، ثم قال: فإذا قلتم ذلك أصأبت كل عبد صالح لله في السماء والأرض، كيف قرر بهذا عموم اسم الجمع المضاف وأغنانا صلى الله عليه وسلم عن طريق الأصوليين وتعسفها، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم، وقد سئل عن زكاة الحمر. فقال: لم ينزل علي فيها إلاهذه ألآية الجامعة الفاذة فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره [الزلزلة: 7]، فسمى الآية جامعة أي عامة شاملة. باعتبار اسم الشرط فدل على أن أدوات الشرط العموم وهذا في مخاطبته صلى الله عليه وسلم ومحاورته أكثر من أن يذكره. وإنما يجهله من كلامه صلى الله عليه وسلم من لم يحط به علماً.

وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي استفتاه عن امرأته وقد ولدت غلاماً أسود فأنكر ذلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ألك إبل قال: نعم. قال: فما لونها، قال: أسود، قال: هل فيها من أورق. قال: نعم. قال: فأنى له ذلك، قال عسى أن يكون نزعه عرق. قال: وهذا عسى أن يكون نزعه عرق كيف تضمن الغاء هذا الوصف الذي لا تأثير له في الحكم وهو مجرد اللون، ومخالفة الولد للأبوين فيه. وإن مثل هذا لا يوجب ريبة وأن نظيره في المخلوقات مشاهد بالحس. والله خالق الإبل وخالق بني آدم وهو الخلاق العليم، فكما أن الجمل الأورق قد يتولد من بين أبوين أسودين، فكذلك الولد الأسود قد يتولد من بين أبوين أبيضين. وإن ما جوز به من سبب ذلك في الإبل هو بعينه قائم في بني ءادم. فهذه من أصح المناظرات والإرشاد إلى اعتبار ما يجب اعتباره من الأوصاف وإلغاء ما يجب الغاؤه منها. وإن حكم الشيء حكم نظيره. وإن العلل والمعاني حق شرعاً وقدراً.

ـ[الشخيبى2]ــــــــ[27 - 12 - 06, 12:49 م]ـ

وكذلك للمناظر قد تضرب له الامثال فان المثال يكشف الحال حتى في المعلومات بالحس والبديهة وقد تستسلف معه المقدمات وإلا فقد يجحد إذا عرف أنه يلزمه الاعتراف بما ينكره وهي طريقة المتقدمين من نظار المسلمين وقدماء اليونان في المناظرة يكون المستدل هو السائل لا المعترض فيستسلف المقدمات ويقول ما تقول في كذا وفي كذا أو يقول ليبين كذا وكذا مقدمة مقدمة فاذا اعترف بتلك المقدمات بين ما تستلزمه من النتائج المطلوبه

من كتاب الرد على المنطقيين لشيخ الإسلام ابن تيمية

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير