[الأخذ بأقل ما قيل عند الشافعي]
ـ[أبو الفرج مهدي]ــــــــ[23 - 01 - 07, 06:39 م]ـ
نسب كثير من الأصوليين هذا الدليل إلى الشافعي, وذلك اعتمادا على كلامه في ثلاث مسائل, ولكن الذي يظهر لي والله تعالى أعلم أن الشافعي لم يقصد في تلك المسائل الكلام عن الأخذ بأقل ما قيل, ولم يستدل به أبدا, بل قد يكون الشافعي ما عرف هذا الدليل قط وإنما أحدثه من بعده بناء على ما فهموه من كلامه في تلك المسائل, وسأبين فيما يلي قصد الشافعي مع بيان الخطأ على الشافعي, ولكن قبل ذلك لا بد أن أبين سبب الغلط على الشافعي الذي يعين على فهم المراد من كلامه ومحل الغلط عليه:
ـ[أبو الفرج مهدي]ــــــــ[23 - 01 - 07, 06:40 م]ـ
سبب الغلط على الشافعي:
لعل أبرز سبب أدى إلى الغلط على الشافعي فيما نقل عنه, هو تداخل مسألتين كلاهما في الإجماع, وهي مسألة الأخذ بأقل ما قيل ومسألة إحداث قول جديد.
ففي مسألة إحداث قول جديد: مثلا إذا اختلف العلماء في تقدير شيء معين على أقوال (مثلا 2, 4, 6) لم يجز إحداث قول يخرج عن أقوالهم, وهذا الكلام يمكن التعبير عنه بسرد عدة إجماعات منها: أنهم أجمعوا على أن الحق لا يخرج عن الأقوال المنقولة (أي الحق لا يخرج عن 2 أو 4 أو 6) , وأجمعوا أنها ثلاثة أقوال فقط, وأجمعوا أن أقل ما قيل هو 2, وأجمعوا أن أكثر ما قيل هو 6 , وغيرها من الإجماعات المتضمنة في عدم جواز إحداث قول جديد.
فسبب وقوع الغلط هو ما ذكرناه في المثال السابق أي قولنا:"أجمعوا أن أقل ما قيل هو 2", فمثل هذا الكلام فهم منه بعضهم أن الشافعي يحتج بأقل ما قيل, ولكن نقول ليس مجرد اجتماع لفظة "أجمعوا" ولفظة:"أقل ما قيل" دليلا أن الشافعي يتكلم عن مسألة "أقل ما قيل". بل يكون دليلا أنه يتكلم عنها إذا قال:"إن 2 هو الأقل فيكون إجماعا", وبينهما فرق.
ولهذا نقول في الفرق بين المسألتين:
(1) الإجماع في مسألة "الأخذ بأقل ما قيل" يكون حجة يجب العمل به (هذا عند من يراه حجة) , أما الإجماع في مسألة "إحداث قول جديد" فلا يكون حجة في العمل به. فمع وقوع الإجماع على أن 2 هو الأقل لم يقل أحد أنه ما دام وقع الإجماع عليه فهو حجة, ولو قالها أحد لحاججناه بأنه وقع الإجماع أيضا على أن أكثر ما قيل هو 6 ومع ذلك لم تأخذوا به. ولهذا يصح أن نقول: مسألة "إحداث قول جديد" تعرّفنا بالأقل, ومسألة:"الأخذ بأقل ما قيل" توجب العمل به.
(2) في مسألة "الأخذ بأقل ما قيل" نقول: أقل ما قيل هو كذا فيكون إجماعا, أما في مسألة "إحداث قول جديد" فنقول: أجمعوا على أن أقل ما قيل هو كذا, ففي المسألة الأولى يكون الإجماع نتيجة وفي المسألة الثانية يكون الإجماع دليلا.
وفيما يلي سأذكر الأقوال التي نقلت عن الشافعي والرد عليها:
ـ[أبو الفرج مهدي]ــــــــ[23 - 01 - 07, 06:44 م]ـ
الرد:
(1) رجح الشافعي في هذه المسألة أن أقل مسافة للقصر هي يومين, وليس في كلامه إشارة إلى الأخذ بأقل ما قيل, فالشافعي لم يقل بأنه يرجح يومين لأنه الأقل أو لأنهم أجمعوا عليه, فكلام الشافعي هنا ليس فيه استدلال على ما ذهب إليه, فكأنه قال:"لا يوجد حديث عن النبي ? أن القصر يكون فيما دون يومين, وأجمع السلف أنه لا يكون فيما دونهما, وأنا أرجح أن القصر يكون في يومين لا فيما دونهما", فهو يخبر عن الراجح عنده وأنه لم يخالف به الإجماع الذي نقله. فالإجماع الذي نقله هو تحريم القصر فيما دون يومين وليس إجماعا على ثبوت القصر في يومين حتى يقال إنه أخذ بهذا القول استنادا لدليل "أقل ما قيل", فمحل الإجماع المنقول يختلف عن محل المسألة التي رجحها.
(2) في تتمة كلام الشافعي ذكر الدليل الذي اعتمد عليه فيما ذهب إليه حيث قال:" فللمرء عندي أن يقصر فيما كان مسيرة ليلتين قاصدتين وذلك ستة وأربعون ميلا بالهاشمي ولا يقصر فيما دونها .... فإن قال قائل: فهل في أن يقصر في يومين حجة بخبر متقدم؟ قيل: نعم عن ابن عباس وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما" ثم ذكر بإسناده أثرين عنهما, فهذا يدل على أن دليل الشافعي فيما ذهب إليه هو قول الصحابي, ولهذا حكى قول المخالف بقوله:" فهل في أن يقصر في يومين حجة بخبر متقدم", وما كان الشافعي ليصير إلى الأخذ بأقل ما قيل وعنده نقل عن الصحابة.
ـ[أبو الفرج مهدي]ــــــــ[23 - 01 - 07, 06:45 م]ـ
القول الثاني: في دية المعاهد
قال الشافعي: «وأمر الله تعالى في المعاهد يقتل خطأ بدية مسلمة إلى أهله ودلت سنة رسول الله ? على أن لا يقتل مؤمن بكافر مع ما فرق الله عز وجل بين المؤمنين والكافرين فلم يجز أن يحكم على قاتل الكافر إلا بدية ولا أن ينقص منها إلا بخبر لازم فقضى عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما في دية اليهودي والنصراني بثلث دية المسلم وقضى عمر في دية المجوسي بثمانمائة درهم وذلك ثلثا عشر دية المسلم لأنه كان يقول: تقوم الدية اثني عشر ألف درهم ولم نعلم أحدا قال في دياتهم أقل من هذا وقد قيل: إن دياتهم أكثر من هذا فألزمنا قاتل كل واحد من هؤلاء الأقل مما اجتمع عليه» (5).
¥