[مسائل الاستثناء في علم اصول الفقه]
ـ[المصلحي]ــــــــ[13 - 12 - 06, 08:09 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, ومن يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد إن لا اله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد إن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وبعد:
فهذه هي الرسالة الثالثة وقد تقدمتها رسالتان:
الأولى – التلخيصات والعليقات على كتاب افعال الرسول.
الثانية – الترك انواعه وأحكامه.
وهي بفضل الله مثل سابقتيها لا تخلو من المباحث الأصولية الجليلة, والمسائل المهمة, والترجيحات المبنية على صحيح المنقول وصريح المعقول, وغير ذلك من الفوائد التي تجدها, ما تقربه عين الناظر فيها. ومنهجي في ذلك إني اقتصرت على القول الراجح بدليله دون التطرق إلى ذكر الخلافيات إلا إذا رأيت المناسبة تدعو إلى ذلك. كما إني تركت مسائل الاستثناء التي لا علاقة لها بالأصول التي موضعها علم النحو. وقد رتبتها على شكل مسائل, وقد استفدت كثيرا من كتابين أثنين أولهما كتاب الاستغناء في أحكام الاستثناء للإمام القرافي, والثاني كتاب الاستثناء عند الأصوليين للدكتور أكرم بن محمد بن حسين, وهي رسالة ماجستير مطبوعة. أقول ذلك للأمانة العلمية. أضف إلى ذلك المصادر التي تراها أثناء البحث.
وأخيرا أسأل الله تبارك وتعالى الصدق والإخلاص في القول والعمل.
وكتب
أبو عبد الله المصلحي
10 / جمادي الآخرة / 1421 هـ
مسائل الاستثناء
في علم اصول الفقه
المسألة الأولى
تعريف الاستثناء لغةً
الاستثناء لغة مصدر استثنى من الثني. وللثني في اللغة معان منها:
• الصرف: تقول ثنيته عن حاجته إذا صرفته, وفي الحديث: ((من قال قبل أن يثني رجله)) (1). أي يصرفها عن موضعها الذي كانت عليه في التشهد (2).
فالمتكلم يصرف كلامه بالاستثناء عن وجهه الأول إلى وجه آخر. فان كان الكلام إثباتا جعله نفيا, وبالعكس (3).
• العطف: تقول ثنيت الحبل, إذا عطفت بعضه على البعض (4).
وفي الشعر:
لعمرك إن الموت ما أخطا الفتى لكا لطول المرخى وثنياه باليد (5)
أي: طرفاه المعطوفان.
وفي الآية: ? ألا أنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ?.
أي: يعطفونها عليه استخفاء من الله (6).
فالمتكلم يعطف على المستثنى ليخرجه من حكم المستثنى منه.
• القطع: ومنه ثني الحبل والوادي وهو منقطعهما (7). والمتكلم يقطع المستثنى من حكم المستثنى منه.
• التكرير: ومن هذا المعنى سميت الفاتحة بالسبع المثاني لأنها تعاد وتكرر في كل ركعة أو لأنها نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة (8).
وفي الحديث ((لا ثنى في الصدقة)) (9). أي لا تؤخذ الصدقة في السنة مرتين.
فالمتكلم يذكر المستثنى مرتين من حيث شمول المستثنى منه له أولا والنص عليه ثانيا.
والاسم من الاستثناء هو (الثنيا) و (الثنوى) كالفتيا والفتوى (10). وثنيا الجزور: قوائمه ورأسه, لأن بائع الجزور في الجاهلية كان يستثنيها من البيع. وقال تعالى: ? اذا أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون ? أي: لا يخرجون نصيب المساكين الذي كان أبوهم يخرجه من ثمرة البستان, أو معنى لا يستثنون لا يعلقون ذلك. بمشيئة الله سبحانه (11).
المسألة الثانية
تعريف الاستثناء إصلاحا
اختلفت عبارات العلماء في تعريف الاستثناء إصلاحا وذلك بحثا منهم عن تعريف جامع مانع. فقد عرفه القاضي أبو يعلى (12) بأنه كلام ذو صيغ محصورة تدل على إن المذكور فيه لم يرد بالقول الأول (13). وعرفه الغزالي (14) بالتعريف الذي ذكره القاضي مع تصرف قليل فقال: وحده أنه قول ذو صيغ مخصوصة محصورة دالة على إن المذكور فيه لم يرد بالقول الأول (15).وعرفه الرازي (16) بتعريفين فقال انه: إخراج بعض الجملة من الجملة بلفظ (الا) أو ما يقوم مقامه. وقال أنه: مالا يدخل في الكلام إلا لإخراج بعضه بلفظة ولا يستقل بنفسه (17). وعرفه الامدي (18) بأنه: عبارة عن لفظ متصل بجملة لا يستقل بنفسه دال بحرف (الا) أو أخواتها على إن مدلوله غير مراد مما اتصل به, ليس بشرط ولا صفة ولا غاية (19).
وعرفه ابن حاجب (20) بأنه: إخراج بـ (الا) وأخواتها (21).
وعرفه البيضاوي (22) بأنه: الإخراج بـ (الا) غير الصفة ونحوها (23).
¥