[إشكال في مذكرة الشنقيطي]
ـ[أبو العباس الحضرمي]ــــــــ[12 - 12 - 06, 08:15 ص]ـ
قال رحمه الله مبينا بطلان القول بأن المتواتر لا ينسخ بالآحاد (أما قولهم إن المتواتر أقوى من الآحاد والأقوى لا يرفع بما هو دونه فإنهم قد غلطوا فيه غلطا عظيما مع كثرتهم وعلمهم وإيضاح ذلك:
أنه لا تعارض البتة بين خبرين مختلفي التاريخ لإمكان صدق كل منهما في وقته وقد أجمع النظار على أنه لا يلزم التناقض بين القضيتين إلا إذا اتحد زمنهما أما إن اختلفا فيجوز صدق كل منهما في وقته
فلو قلت: النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس، وقلت أيضا: لم يصل إلى بيت المقدس، وعنيت بالأولى ما قبل النسخ وبالثانية ما بعده لكانت كل منهما صادقة في وقتها) اهـ
والإشكال هو أن هذا الكلام الذي رحمه الله مسلم به في الخبر أما في الإنشاء فهل نسلم به؟ ومعلوم أن النسخ إنما يدخل في أوامر الشرع ونواهيه لا في أخباره!
أرجو أن يكون الاستشكال واضحا للأخوة وأرجو من الله أن يوفقهم للجواب
والله المستعان
ـ[أبو حازم الكاتب]ــــــــ[12 - 12 - 06, 08:32 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
لا إشكال أخي أبا العباس في كلام الشنقيطي رحمه الله وبيان ذلك أن الشيخ رحمه الله قال:
(فلو قلت: النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس، وقلت أيضا: لم يصل إلى بيت المقدس، وعنيت بالأولى ما قبل النسخ وبالثانية ما بعده لكانت كل منهما صادقة في وقتها):
مراده بالنسخ نسخ حكم التوجه لبيت المقدس وهو إنشاء لا نسخ الخبر عن فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فعندنا هنا ثلاث أمور:
1 / الخبر عن توجه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لبيت المقدس.
2 / نسخ حكم التوجه لبيت المقدس.
3 / الخبر عن عدم توجه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لبيت المقدس.
فالأول والثالث خبران لا يدخلهما النسخ.
والثاني إنشاء وهو الذي أراده الشنقيطي بقوله ما قبل النسخ.
ـ[أبو العباس الحضرمي]ــــــــ[13 - 12 - 06, 10:38 ص]ـ
جزاك الله خيرا أخي الكريم
استفدت من كلامك ولكن المسألة لم تتضح لي بعد!
انظر قوله رحمه الله (أنه لا تعارض البتة بين خبرين مختلفي التاريخ لإمكان صدق كل منهما في وقته)
سؤالي هو: ما فائدة الخوض في الخبر إذا كان محل النزاع هو الإنشاء؟
هل فهمت قصدي؟
وانظر أيضا قوله (وقد أجمع النظار على أنه لا يلزم التناقض بين القضيتين إلا إذا اتحد زمنهما)
السؤال: هذا في الأخبار ظاهر ولا إشكال فيه، ولكن إذا قلت لك: لا تشرب واقفا.
فهذا يوجب عليك الامتثال في الزمن الآتي كله
فإذا قلت لك: اشرب واقفا
فهذا أيضا يوجب عليك الامتثال فيما سيأتي من الزمن
فحصل إذن التعارض بين الأمرين؛ لورودهما على نفس الزمن
فنقدم القوي منهما على الضعيف،
والقوي هو المتواتر والضعيف هو الآحاد!
كيف نبطل هذا من كلامه رحمه الله؟
أرجو البيان والله وحده هو المستعان
ـ[أبو حازم الكاتب]ــــــــ[15 - 12 - 06, 05:36 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أولا: مراد الشنقيطي رحمه الله بقوله الخبرين: الخبر الاصطلاحي عند المحدثين والذي يشمل الإنشاء فهو مرادف للحديث وليس مراده الخبر المقابل للإنشاء.
ثانيا: أوضح لك كلام الشنقيطي بما ذكره في مواضع أخرى من كتبه:
قال الشنقيطي رحمه الله في آداب البحث والمناظرة (1/ 63): (واعلم أن المنطقيين يقولون إنه يشترط لتحقيق التناقض بين القضيتين الاتحاد في تسعة أمور) ثم ذكرها حتى قال: (الثالث: اتحاد الزمان فإن اختلف الزمان جاز صدقهما وكذبهما كقولك: النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى إلى بيت المقدس، النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يصل إلى بيت المقدس فإن قصدت بالأول ما قبل النسخ وبالثاني ما بعده صدقتا وإن عكست كذبتا).
ثم قال: (تنبيهان مهمان:
الأول: اعلم أن ما ذكرنا هنا من أنه يشترط في التناقض بين النقيضين إتحاد الزمان أمر حق صحيح لا شك فيه وبه يظهر غلط جماهير علماء الأصول في قولهم: إن المتواترات لا تنسخ بأخبار الآحاد الثابت تأخرها عنها مع أن خبر الواحد المتأخر عن المتواتر لا يناقضه لاختلاف زمنهما وكلاهما حق في وقته .... )
وينظر كلامه كذلك في أضواء البيان عند تفسير قوله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه ... } من سورة الأنعام.
ثالثا: ينبغي التفريق بين التناقض والتعارض.
التناقض هو كون الشيئين ينقض كل واحد منهما الآخر فالنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان بل لا بد من وجود أحدهما وارتفاع الآخر كالنفي والإثبات.
أما التعارض فهو التمانع بين الأدلة الشرعية مطلقا بحيث يقتضي أحدهما عدم ما يقتضيه ا لآخر
وهو يدخل الأدلة الشرعية، لكن التعارض لا يكون واقعيا بل هو في ظاهر الأمر وفي نظر المجتهد فقط، والتناقض محله الأخبار فقط فلا يدخل الأنشاء ولا بين إنشاء وخبر بخلاف التعارض فهو يدخل الإنشاءات، والتناقض لا يدخل إلا الأقوال أي تناقض بين قولين أما التعارض فيدخل بين قولين وبين فعلين وبين قول وفعل.
ويترتب على هذه الفروق أن التناقض حكمه السقوط لكل من المتناقضين وأما التعارض فيرد عليه الجمع والترجيح.
علما أن هناك من يجعل التناقض والتعارض مترادفين، والأظهر أنهما يجتمعان في أمور ويختلفان في أمور أخرى والله الموفق.
¥