وعرفه القرافي (24) بأنه: إخراج بعض الجملة أو ما يعرض لها من الأحوال والأزمنة والبقاع والمحال (25).
وعرفه الزركشي (26) بأنه: الحكم بإخراج الثاني من الحكم الأول بواسطة موضوعة لذلك (27).
وعرفه أبو الحسين البصري (28) بأنه: عبارة عما يخرج من الكلام ما لولاه لدخل تحته (29).
هذا ولا يوجد تعريف الا وعليه إيرادات, لأن الحدود على مقتضى الشرائط التي وضعها المتكلمون عسيرة ولا تكاد تحصل, وقد صرح بذلك جماعة من العلماء, وعلى كل حال, فأن المطلوب فهم المراد, وليس الاعتناء بالألفاظ, بل ذاك أصل وهذا تبع, وهو أسلوب العرب في مخاطباتها, وما جرى عليه المعهود في كلامها, وانظر طرفا من ذلك الموافقات للشاطبي رحمه الله , وهو غاية الشافعي رحمه الله من وضع الرسالة. وبعد هذا يمكن القول بأن الاستثناء هو إخراج بلفظ موضوع لذلك, والله اعلم.
المسألة الثالثة
أدوات الاستثناء
وهي اثنتا عشرة أداة في ستة أقسام من حيث النوع.
1 - حرف: وهو (الا) وهي الأصل في أدوات الاستثاء.
2 - اسم: وهو (غير – سوى – بيد).
3 - أفعال: وهي (ماعدا – ماخلا – ليس – لا يكون).
4 - اتفقوا على حرفيته, واختلفوا في فعليته: وهو (حاشا).
5 - متردد بين الحرفية والفعلية: وهو (عدا – خلا).
6 - مركب من الاسم والحرف: وهو (لا سيما).
فائدة (1) أما (سوى) فهي تساوي (غير) مطلقا في الاستثناء وغيره. وأما (بيد) فهي تساوي (غير) في الاستثناء المنقطع فقط مضافة إلى (أن) وما بعدها, تقول: المسلمون كثير عددهم بيد أنهم غثاء كغثاء السيل.
فائدة (2) جاء في (سوى) أربع لغات:
1 - كسر السين مع القصر (سوى).
2 - كسر السين مع المد (سواء).
3 - ضم السين مع القصر (سوى).
4 - فتح السين مع المد (سواء).
فائدة (3) جاء في (لا سيما) ثلاث لغات:
1 - لا سيما – بالتشديد.
2 - لا سيما – بالتخفيف.
3 - لا سواء ما.
فائدة (4) اختلف أهل اللغة في مجيء (لا سيما) للاستثناء, فذهب سيبويه إلى أنها ليست من أدوات الاستثناء. وذهب الكوفيون وجماعة من البصريين إلى أنها تأتي للاستثناء (30).
المسألة الرابعة
شروط الاستثناء
وفيه شرطان ونتناول في هذه المسألة الشرط الأول
شرط الاتصال
للعلماء هنا عدة أقوال في اعتبار هذا الشرط, وقد تصل إلى ستة أقوال, والصحيح منها إن الاتصال شرط في صحة الاستثناء مطلقا اتصالا عاديا.
والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة والإجماع المعقول.
أما الكتاب:
قوله تعالى لأيوب (?): ? وخذ بيدك ضغثا فأضرب به ولا تخنث ?.
وجه الدلالة: انه لو جاز تأخير الاستثناء لما أمر الله تعالى أيوب (?) بذلك ولقال له: استثن. أو لخيره بين الاستثناء والضرب لأنه أسهل.
وأما السنة: فقوله (?): (من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه). (31).
وجه الدلالة: لو كان تأخير الاستثناء جائزا لما عين الكفارة, ولأمر بالاستثناء للخروج من الحنث لأنه أسهل, فلما ترك ذلك وأمر بالكفارة, دل على عدم جواز فصل الاستثناء.
وأما الإجماع:
فقد ذكر العلماء إجماع أهل اللغة على وجوب اتصال الاستثناء بالمستثنى منه, فلو قال: له عشرة دراهم. ثم قال بعد أيام: إلا ثلاثة. فأنه لا يعد هذا الكلام منتظما, بل يعد لغوا لا يعتد به.
وأما المعقول:
فانه لو حكم بصحة الفصل لتعذر ثبوت الأحكام الفقهية من البيوع والنكاح وغير ذلك, وهذا يؤدي إلى فساد الحياة. ويذكر إن بعض الناس قال للمنصور, الخليفة العباسي, إن أبا حنيفة يخالف جدك أبن عباس في عدم تجويزه الاستثناء المنفصل وقد قال به أبن عباس (رضي الله عنهما). فعتب الخليفة أبا حنيفة, فأجابه الإمام رحمه الله: إن الذي قام بالسعاية إليك في هذه المسألة يريد إفساد دولتك عليك. فقال المنصور وكيف؟ قال له: إن صحة فصل الاستثناء تؤدي إلى جواز نقض بيعتك بعد فترة لمن بايعك الآن!
وهذا القول هو مذهب جمهور العلماء (32).
تنبيه: المراد بالاتصال ما يحكم به العرف أنه اتصال مما لا يخل بنظم الكلام عند أهل اللغة, وأما الفصل اليسير مثل سعال أو انقطاع نفس ونحو ذلك فلا يضر.
المسالة الخامسة
الشرط الثاني
شرط عدم الاستغراق
¥